السؤال: نرى في الكثير من الأحاديث المنسوبة لأهل البيت عليهم السلام دعوة إلى الزهد في الدنيا تصل إلى ترك الملذات بشكل قاطع, وهذا الحديث كمثال (أنّ بعض زوجاته بكت مما رأت به من الجوع، وقالت له: يا رسول الله، ألا تستطعم الله فيطعمك؟ فقال: والذى نفسي بيده! لو سألت ربي أن يجري معي جبال الدنيا ذهباً لأجراها حيث شئت من الأرض، ولكنّي اخترت جوع الدنيا على شبعها، وفقر الدنيا على غنائها، وحزن الدنيا على فرحها. إنّ الدنيا لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد. إنّ الله لم يرض لأولى العزم من الرسل إلا الصبر على مكروه الدنيا والصبر عن محبوبها، ثم لم يرض لي إلا أن يكلفني مثل ما كلّفهم، فقال: فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل، والله ما لي بدّ من طاعته! وإني والله لأصبرنّ كما صبروا بجهدي ولا قوة إلا بالله).
أولاً: هل من المطلوب البحث في السند، وإذا ثبت ضعفه أهملنا الحديث متناً أيضاً؟ وهل إذا ثبت صحّته فإنّه يعتمد بوصفه مبدءاً للعيش، وطبعاً بشكل حكيم, وما رأيكم في هكذا نوع من الأحاديث؟
ثانياً: لنفترض أني اعتمدت هكذا مبدأ، وخالفني أهل بيتي (زوجتي….) لاختلاف وجهات النظر، ولا أمدح نفسي, فما هو التكليف في هذه الحال؟
أسألكم الصبر على أسئلتي وإفادتي لما يصلح أمري.
الجواب: أولاً: هذا الحديث ليس له مصدر من كتب الإماميّة، وما نقل فيها ـ مثل كتاب المحجّة البيضاء للفيض الكاشاني، وجامع السعادات للنراقي ـ فهو مأخوذ من مصادر أهل السنّة.
ثانياً: لو راجعنا الحديث في مصادر أهل السنّة، سنجد أنّه قد نقله ابن حبان في كتاب أخلاق النبي، وذكره الديلمي في مسند الفردوس، وفي الطريق ورد عباد بن عباد، عن مجالد، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة، وفي هذا الحديث مجالد، وهو رجل مختلف فيه سنيّاً ومهمل شيعياً.
ثالثاً: إنّ هذا الحديث لا يدلّ على الترغيب بالزهد للناس، بل هو دالّ على أنّ هذه المرتبة من الزهد هي من مسؤوليات الأنبياء وأولي العزم والنبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلّم، وأنّه لا يليق بهم أدنى منها، ولا مانع من أن يكون النبي أو إمام المسلمين مكلّفاً بدرجة عالية من الزهد لا يكلّف بها الناس ولا يدعون إليها، وهذا التمييز معقول جدّاً، بل هو واضح من لسان الحديث، وقد ورد في الحديث عن الإمام عليّ عليه السلام قوله: (…فقال عاصم: يا أمير المؤمنين، فعلى ما اقتصرت في مطعمك على الجشوبة وفي ملبسك على الخشونة؟ فقال: ويحك، إنّ الله عز وجل فرض على أئمة العدل أن يقدّروا أنفسهم بضَعَفَة الناس، كيلا يتبيّغ بالفقير فقره…) (أبو جعفر الإسكافي، المعيار والموازنة: 243؛ والكليني، الكافي 1: 411).
رابعاً: إنّ الأحاديث الواردة في هذا الموضوع ينبغي إخضاعها أيضاً لمعاول النقد السندي والمتني مثلها مثل أيّ حديث آخر، بل هي أكثر أهميّةً من بعض الفروع الفقهية الجزئيّة، ولا موجب لتحييدها عن النقد العلمي. وقاعدة التسامح غير صحيحة وفاقاً للسيّد الخوئي، ولو صحّ الحديث سنداً لزم دراسة مساحته، فإذا دلّ على الترغيب في كون ذلك ثقافة عامّة، ولم يكن له معارض يقيّده أو يلغيه، كان قاعدة عامّة في هذا المجال.
خامساً: قد أشرتُ في جواب عن سؤال سابق أنّني غير مقتنع بأنّ الكتاب والسنّة الصحيحة قد دعوا لثقافة الجوع، نعم الوارد هو ثقافة النهي عن الامتلاء والشبع والتخمة والنهم والانكباب على الملذات البطنية والفرجية ونحو ذلك.
سادساً: إذا أردت اختيار هذا الطريق فلك ذلك، وليس من حقّ الزوجة أو الأولاد الوقوف بوجهك في هذا الطريق ما لم يكن في ذلك ضرر عليك، وعليهم أن يحترموا رغبتك وقناعتك، وإذا اختلفوا معك فعليهم الدخول في حوار هادئ معك. نعم لا يحقّ لك التقتير في الإنفاق عليهم بحجّة أنّك تريدهم أن يكونوا مثلك، فإنّ النفقة واجبة لهم عليك بمقدار شأنهم، وإذا لم يختاروا الدخول في هذا النهج المرغّب فيه من وجهة نظرك، لم يكن ذلك حراماً منهم، ولزمك الإنفاق عليهم إنفاقاً كاملاً، بل هناك ترغيب في التوسعة على العيال في الإنفاق.