السؤال: يقول الدكتور أبو القاسم الحاج حمد، وكمانقلتم عنه في عدد 15 ـ 16 من مجلّة نصوص معاصرة، يقول: (نحن مع علمانيةالدولة وضدّ علمانية المجتمع)، وهذا القول لا يقول به هذا الدكتور فقط، وإنماهناك مجموعة من العلماء والمثقفين يقولون بذلك، خصوصاً هذه الأيام بعد ازدياد المشاكل السياسية وإخفاق المشاريع التنموية في الدول التي تحكمهاالشريعة. بل نرى أنّ كلّ مذهب يخاف من ازياد نفوذ المذهب الآخر والخوف يزدادعندما يقترب مذهب معيّن للسيطرة على مقاليد الحكم. والسؤال: لماذا الخوف من الدولة الدينية مع أنّ من المفترض ان نكون نحن المسلمين من أشدّ الناس انتظاراً لهكذا حدث؟ وهل يمكن تصوّر دولة دينية بدون مشاكل في الوقت الذي تخطّط الدولة الدينية لإحداث انقلابات في المفاهيم والرؤى والسياسات؟ وهل هذه المشاكل مبرّر كافٍ للتفكير بدولة علمانية؟ يقول البعض: إنّنا عشنا قروناً طويلة في ظلّ مفهوم لا دولة قبل دولة المهدي (ع)، وإذ نرى فجأةً أنّ هذه المقولة كانت غير صحيحة وبدأت ظهور مقولات جديدة مختلفة تماماً عمّا عهدناه، وهذا يدلّ أنّنا لا نختلف فقط في الفروع، وإنّمااختلافاتنا في الأصول أيضاً، وبالتالي فلماذا ننادي بدولة دينية لا نستطيعمخالفة مقولاتها لأنّها مقدّسة، وفي النهاية هي اجتهادات بشرية، كما هي الدولة العلمانية؟ وعليه فالحال الأفضل هي علمنة الدولة مع عدم علمنة المجتمع؟ (يوسف، العراق).
الجواب: لعلّ هناك صيغة أخرى أفضل من الصيغة المطروحة، وهي أن يذهب الفقه الإسلامي ناحية الاعتقاد بأنّ تطبيق الشريعة اختيارٌ اجتماعي، وليس قهريّاً، فإذا أراد الناس تطبيقها طبّقناها، وعندما يرفضونها نعزلها عن الحكم، وندعو بالتي هي أحسن لها، وبهذا نصل إلى أنّ شرعية (تطبيق) النظام الإسلامي ـ لا شرعية أصل النظام بوصفه منظومة إلهيّة ـ مقيّدةٌ بالانتخاب الشعبي والاختيار الجماهيري لهذا النظام حدوثاً وبقاءً، فإذا اختاروه فقد اختاروا الحقّ، وإذا رفضوه فقد رفضوا الحقّ، لكن لا يمكن ممارسة الحقّ عليهم دون اختيار جماعي منهم، فإذا اختاروا الإسلام نظاماً طبّقنا عليهم الإسلام، فإذا عدلوا رفعناه، وهذا معنى شرط الحدوث والبقاء.
هذه الصيغة تحقّق الغرض وتكمّل طرح حاج حمد؛ لأنّها لا تفرض على طول الخطّ علمانيّة الدولة، إذا قصدنا من علمنتها عدم دخول الدين فيها مطلقاً، بل تسمح بتديّن الدولة تديناً مشروطاً بإرادة الشعب. ولا يعني هذا أنّ الشعب يحدّد الحقّ من الباطل، حتى نقول بأنّ الأكثرية ضالّة في العادة بحسب ثقافة النصوص الدينية؛ لأنّ الموضوع ليس موضوع الحقّ والباطل، لأنّ المفروض أنّنا نخطئ الأمّة عندما تختار غير الإسلام شرعاً ومنهاجاً، فنحن لا نصحّح ما تذهب إليه الأمّة في هذه الحال، غاية الأمر أنّنا نسعى للتغيير من منطلق القواعد التغييرية العادية والديمقراطية إذا صحّ التعبير، فالموضوع مرتبط بشرعيّة القهر على تطبيق الشريعة، لا بصواب الشريعة أو مرجعية الشعب في حقانيّتها وعدم حقانيتها، بل في مرجعية الشعب في تقرير مصيره في الأخذ بها وعدم الأخذ بها، متحمّلاً ـ أي الشعب ـ مسؤولية قراراته أمام الله تعالى. طبعاً هذا الطرح الذي قدّمه غير واحدٍ من العلماء يحتاج لتنظير فقهي موسّع ليس محلّه الآن.