السؤال: يقول الله تبارك وتعالى (ما كذب الفؤاد ما رأى أفتمارونه على ما يرى)، يقول السيد (…): (فأثبت للقلب رؤيةً تخصّه، وليست هي الفكر؛ فإنّ الفكر إنّما يتعلّق بالتصديق والمركّب الذهني، والرؤية إنّما تتعلّق بالمفرد العيني، فيتبيّن بذلك أنها توجّه من القلب ليست بالحسّية المادية ولا العقلية الذهنية)؟ ما هو المقصود بالتصديق والمركب الذهني والمفرد العيني؟ وما هو تعليقكم؟ كما أنّني أفهم التقسيم والفرق بين العلم الحضوري والحصولي، ولكن لا أستطيع أن أميّز أو أشعر هل هناك حقاً فرق في درجة اليقين بين يقيني وشعوري بالخوف وبين يقيني من الشخص الجالس جنبي؟ كما أود أن أسأل: أليس المعراج حصل للرسول ببدنه وروحه، وبالتالي حصلت له الرؤية الحسيّة من خلال البصر وهو (ص) أكّد لنا ما شاهده من خلال بعض الأحاديث الشريفة مشاهدةً حسيّة بصرية، فما هو السبب الذي ألجأ بعضهم إلى التفسير الروحي؟ (كمال، مسقط).
الجواب: هذا النص الذي نقلتموه هو نصّ حرفي منقول عن كتاب الميزان للعلامة الطباطبائي في الجزء الثالث ص 44، ويقصد به أنّ لدينا فكراً ورؤية حسيّة ورؤية قلبية، والعلامة يرى أنّ الرؤية في هذه الآية ليست حسيّةً، إذاً فلابد أن تكون رؤيةً قلبية، وليست مجرّد علم وتصديق حصل له بلا رؤية قلبية حضورية، كما يحصل لنا علم بشيء من خلال دليل فلسفي أو كلامي. ويستدلّ العلامة الطباطبائي على هذا الأمر بأنّ الفكر والاستدلال والجهاز العقلي يعمل ويتعلّق بالتصديق، والتصديق عبارة عن الحكم بنسبة شيء إلى شيء، فأنت تصدّق بقيام زيد، إذاً فأنت تحكم بانتساب القيام إليه، وهذا يعني أنّ التفكير يدور مدار التصديق، ويدور مدار الأمور المركّبة الذهنية؛ لأننا الآن في هذه القضية كانت لدينا أربعة أجزاء: الموضوع وهو زيد، والمحمول وهو القيام، والنسبة بين القيام وزيد وهي عبارة عن حلول القيام بزيد مثلاً، والحكم الذي هو اعتقادي بانتساب القيام لزيد. فنحن أمام كلٍّ مركّبٍ من أجزاء. هذه هي العمليات الفكرية عادةً تخضع لعناصر تركيبية، ولهذا ذكروا في الفلسفة والمنطق أنّ العلوم الحصولية علوم تركيبية بما في ذلك البديهيات، فأنت تقول: النقيضان لا يجتمعان، وهذه فكرة مركّبة من النقيضين، ومن الاجتماع، ومن النفي على رأي، وغير ذلك. أما الرؤية فإنها تتعلّق بأمر بسيط ومفرد وخارجي، أي بمفرد عيني، أي أمر بسيط خارجي، وهذا هو العلم الحضوري؛ فإنّ العلم الحضوري للنفس بذاتها مثلاً علمٌ بسيط لا يوجد فيه تركيب، فأنت تشعر بذاتك وأنك موجود، ونفس هذا الشعور هو شعور بسيط إحساسي، وهو غير أن تقول: أنا موجود؛ لأنّ قولك: أنا موجود، هو علم حصولي وليس حضورياً، لكن نفس الإحساس الباطني بوجود ذاتك هو علم حضوري، وهو بسيط؛ لهذا أراد الطباطبائي أن يميّز بين الرؤية والفكر، بأنّ الرؤية تتعلّق بمفرد بسيط عيني خارجي وجودي، ولهذا يقولون بأنّ العلم الحضوري يقوم على مبدأ الوجود؛ لأنّ المعلوم يحضر بوجوده عند العالم، أما العلم الحصولي فيقوم على مبدأ الماهية؛ لأنّ الشيء لا يحضر عنده فيه، وإنما تأتي صورة ذهنية عنه، فبالتمييز بين الفكر والرؤية أراد الطباطبائي أن يُثبت العلم الحضوري في المعراج، ليقول بأنّ هذه التجربة التي حصلت مع النبي هي من نوع التجارب العرفانية، بل الأرقى منها. وهذا كلّه مبنيٌّ على أنّ كلمة (ما رأى) فاعلها هو القلب، أي ما كذب الفؤاد ـ وهو القلب ـ في الشيء الذي رآه القلب. أما لو قلنا بأنّ فاعل رأى هو النبي محمّد بحواسه، فيكون المعنى: لم يكذّب فؤادُ محمد ما رأته عيناه، وهذه الكلمة تعني في اللغة العربية أنه لم يتخيّل، وأنّ ما رآه كان حقيقةً، وأنه لم يشكّ في حقّانية ما اطّلع عليه.
وأمّا قضيّة الروح والجسد، فإنّ الإسراء حصل بالروح والجسد، أما المعراج فهناك خلافٌ فيه، ولعلّني أذكر أنّ العلامة الطباطبائي يرى أنّ العروج الملكوتي كان بالروح، وأما هذه الأشياء التي رآها فهي من تمثلات عالم المثال عندهم؛ لأنّ الطباطبائي من العرفاء، والعرفاء يقولون بمقولة الإشراقيين بأنّ العالم ينقسم إلى ثلاثة أقسام، هي عالم المادة وعالم المثال وعالم المجرّدات، على خلاف المعروف بين الفلاسفة المشائين الذي كانوا يقولون بأنّ العالم إما مادي أو مجرّد، فعالم المثال وسطٌ بين المادّة والتجرّد.
وأمّا الفرق بين شخصٍ بجانبك والمعرفة الحضورية فكبير؛ فإنّ الشخص الذي بجانبك معلومٌ لك بالعلم الحصولي؛ لأنّ العين وسائر الحواس ترسل لك معلومات عنه، فيحصل لك يقينٌ كبير بوجوده، لكن عبر صورةٍ ذهنية عنه. أمّا العلم الحضوري فهو مثل علمك بذاتك وعلمك بحالة الخوف أو الحبّ التي تعتريك. وعلمك بمن هو خارج ذاتك ممّن هو إلى جانبك محكومٌ لحواسك، وهم يقولون بأنّ الحواس تخطأ، كما أنّ الواسطة بينك وبين المعلوم وهي الصورة الذهنية يمكن أن تنتابها مشاكل من حيث تأثرها بالجهاز العصبي وغير ذلك، لهذا يعتبرون أنّ المعرفة بلا واسطة أقوى من المعرفة مع الواسطة (الصورة الذهنية الآتية من خلال الحواس)، فهم لا ينكرون اليقين في العلوم الحصولية، لكنّهم يقولون بأنّه في العلوم الحضوريّة أكثر استحكاماً وأبعد عن الشك والريب.