السؤال: ماذا لو قطع الإنسان أو اطمأنّ بغير فتوى مرجعه؟ هل يقلّده أم يعمل بما اطمأنّ به أم ماذا؟ (حسين).
الجواب: إذا تحقّق العلم أو الاطمئنان بحكم شرعي، يُعمل بهذا العلم ولو كان ذلك على خلاف فتوى المرجع الديني الذي يرجع إليه الإنسان، هذا على مقتصى القاعدة، لكن ينبغي الانتباه إلى ثلاثة أمور:
أ ـ هل حصل قطع ويقين بخلاف فتوى المرجع فعلاً أم أنّ كلّ ما حصل هو استبعاد أو استنكاف أو استغراب هذه الفتوى؟ ففي كثير من الأحيان يحصل أن يعيش الإنسان حالة استبعاد فتوى معينة، لكنّ ذلك لا يكون بمعنى العلم بقدر ما هو بمعنى استنكاف النفس عن التصديق بهذه الفتوى ونسبتها للشرع، فقد نكون تربّينا في مناخ معيّن فحصلت المفاجأة من هذه الفتوى التي لم نألف نماذجها من قبل؛ لأنّنا لسنا مطّلعين ومستوعبين للقضايا الفقهيّة وتفريعاتها وأوجهها ونماذجها، فأخذنا من المسجد صورةً عن الإسلام، ثم بعد ذلك فوجئنا بهذه الفتوى التي تبتعد كلّ البعد عن تلك الصورة التي عشناها ردحاً طويلاً من الزمن، فيحصل استبعاد واستنكاف يوهمُنا أنّه علمٌ واطمئنان، وليس إلا مجرّد ردّ فعل استغرابي تجاه هذه الفتوى، لاسيما بعض الفتاوى التي تكون في القضايا الاجتماعيّة وقضايا الحقوق. يجب التنبّه لهذا الموضوع قبل أن نستعجل العلم، فإذا تنبّهنا له، ومع ذلك حصل لنا العلم بعكس ما عند فتوى المرجع، فهناك نعمل برأينا وما قطعنا به. وهناك ندرك أنّنا على يقين علمي وليس على رفض نفسي يوهمنا أنّنا على يقين معرفي عقلي، فليلاحظ جيداً.
ب ـ هل اليقين الذي حصل عليه الإنسان موضوعيٌّ له مبرّرات معقولة أم أنّه يقين ذاتي استعجالي لم ينشأ من دراسة متأنيّة للموضوع؟ فبعض الناس ونظراً لتراجع هيبة الفقه والفقهاء وتجربتهم في الحياة العامّة عند بعض الأوساط يحصل أن يستعجل نقد فتوى؛ لأنّه لم يعد يشعر أنّ الفتاوى تقف خلفها اجتهادات معمّقة، حيث فَقَدَ الثقة بها وبمبرّراتها، وفي هذه الحال التي يعيشها العديد من المطّلعين والمثقفين نجد أنّ هذا الشخص عندما يواجه فتوى ليست على مزاجه الفكري العام سرعان ما يقطع ببطلانها، لا لأنه قام بدراسة لجوانب الموضوع أو راجع النصوص، بل لأنه فَقَدَ الثقة بهذا الفقه، فأصبح يُسرع في اتهامه والتجرّؤ عليه، فإذا أحرز الإنسان من نفسه أنّ يقينه الذي حصل له لم يكن يعاني من مثل هذه المشكلة بحيث كانت عنده المكنة للوصول الموضوعي لهذا الاستنتاج الذي وصل إليه بالعلم واليقين كما يقول، فلا بأس بالعمل بما توصّل إليه. ولا أعني بذلك أنّه يجب أن يكون حوزويّاً ليكون يقينه موضوعيّاً، فبعض الموضوعات لا تحتاج لأن يكون الإنسان قد درس في الحوزة ثلاثين سنة ليتوصّل إليها، فقد يحصل أن تجد بعض المتابعين يمكنه التوصّل إلى نتائج في بعض الملفّات الفقهيّة بحيث يحصل له علم ببطلان فتوى المرجع.
ج ـ هل حصل علم بعكس فتوى المرجع أم في الحقيقة حصل شك بصحّة وسلامة فتوى المرجع؟ هناك حالتان يجب التمييز بينهما، ففقدان الثقة بفتوى المرجع الفلانية شيء وحصول العلم بعدمها شيء آخر، يجب الانتباه لهذا الأمر، فكثيراً ما نشعر بفقدان الوثوق بهذا الاستنتاج الذي وصل إليه المرجع، لكن لا يحصل لنا في واقع الأمر علم بالبطلان، بل يصبح استنتاج المرجع مرجوحاً لا معلومَ العدم، وبعض الناس يخلط بين هذه العناوين، فلو حصل العلم بعكس الفتوى عمل بعلمه ضمن الشرطين المتقدّمين، أمّا مجرّد (تزعزع) الوثوق بهذه الفتوى فهذا لا يوجب سقوط حجيّتها عند مشهور الفقهاء، لكنّ بعض العلماء يرى أنّ التقليد خاصّ بحال حصول الوثوق باستنتاجات هذا المرجع والركون إلى اجتهاداته وخبرويّته، تماماً كما نرجع للطبيب، فإذا لم نثق باجتهاداته الطبيّة ودَخَلَنَا الريبُ منها، فلا يرى العقلاء حجيةً لقوله، بل حجيّة قول أهل الخبرة مشروطة بحصول الوثوق في أثناء الرجوع إليه، فبناء على هذا القول لو فُقِدَ الوثوق بفتوى المرجع ـ ولو لم يحصل علمٌ ببطلانها ـ وتحقّقَ الشرطان المتقدّمان لم تعد الفتوى حجّةً على الشخص المقلّد نفسه، نعم على رأي المشهور تبقى حجّة ويلزمه العمل بها ولو لم يحصل له الوثوق بالأداء الاجتهادي للمرجع.
هذه بعض الصور التي اُلفت النظر إليها للتنبّه في هذه الأمور، والمجال مفتوح لبعض الإضافات التي لا يسمح بها المقام خوف الإطالة.