السؤال: من فضلك أنا من تونس، والمفتي هنا أعلن يوم الاثنين يوم عيد الفطر، لكنّ بعض الإخوة الموالين صاموا يوم الاثنين وأفطروا يوم الثلاثاء، اقتداء بالمراجع الكرام في الشرق. هل لهم الحقّ في ذلك؟ إذا تسمح تشرح لي المسألة.
الجواب: إذا كان المفتي في مفروض سؤالكم قد أعلن العيد استناداً إلى شهادات وبيّنات بالرؤية في بلدكم، بحيث كانت الرؤية ممكنةً عندكم وتمّت البيّنة على ذلك، ففي هذه الحال يفتي الفقهاء بالعيد عندكم حتى لو لم يعلنوا بأنفسهم العيد في بلاد المشرق كالعراق وباكستان والسعوديّة ولبنان وباكستان؛ لأنّ العبرة برؤية الهلال، والمفروض أنّه قد رؤي عندكم، وأنتم تثقون بإعلان المفتي للعيد استناداً إلى ذلك لا إلى شيء آخر، فليس معيار صيام الصائمين وإفطارهم هو ما يعلنه المرجع أو مكتبه الخاصّ كما قلنا مراراً، بل العبرة بالمعيار الفقهي الذي اختاره المرجع في رسالته العمليّة، فإذا تحقّق هذا المعيار عندكم أفطرتم العيدَ وصام هو في بلاد الشرق اليوم الأخير من شهر رمضان.
نعم، لو انعكست الصورة، بحيث كان المراجع الكرام يسكنون في بلادٍ هي بالنسبة لبلدكم غربيّةً وأنتم بالنسبة إليها في الشرق، واستهلّ الناس عندهم ولم تتمّ رؤية الهلال وادُّعيت الرؤية عندكم، فبعض الفقهاء يتحفّظ عن إعلان العيد في بعض الحالات هنا؛ إذ لو رؤي عندكم في بلاد الشرق لرؤي عندهم في بلاد الغرب، والمفروض أنّهم استهلّوا وكان الجوّ غير غائم والرؤية أكثر إمكاناً، ومع ذلك لم يُرَ عندهم، فهذا يحقّق معارضة حكميّة لشهاداتكم في بلاد الشرق عند بعض الفقهاء، ويمنع عن إعلان العيد في كلا البلدين ويسقط حجيّة البينات التي ادّعت الرؤية في بلاد الشرق، إذ كيف رؤي في بلاد الشرق ولم يُر في بلاد الغرب؟! هذا كلّه بصرف النظر عن بعض التفاصيل المتصلة بموقع البلد في شمال أو جنوب الكرة الأرضيّة أو بغير ذلك.
أمّا إذا كان إعلان المفتي للعيد على أسس ومعايير يؤمن هو بها ويتبنّاها دار الإفتاء معه، لكنّ هذه الأسس والمعايير لا يوافق عليها المرجع الذي تقلّدونه، ففي هذه الحال لا مجال للحكم بالعيد عندكم حتى لو أعلنت الدولة العيد رسميّاً. والكثير من الفقهاء لا يعيرون أهميّةً لمسألة الأقطار والبلدان في الأعياد، فليس عيد كلّ قطر أو بلد ـ بحسب التقسيم المعاصر للبلدان الإسلاميّة ـ هو بيد مفتي تلك الدولة، بحيث يرجع الناس إليه مطلقاً في هذا الموضوع، فبعض النظريات الفقهية وإن كانت تلتئم بعض الشيء مع هذا الأمر، لكنّ الفضاء الفقهي ـ إلى اليوم ـ لا يقوم في قضية العيد على ثقافة من هذا النوع أبداً.