السؤال:يقول بعضهم: قبل أن يموت الإنسان المسلم يرى أشياء لا يمكن للإنسان العادي رؤيتها، مثلاً: يرى ملائكة يبشّرونه بالخير وأنه سيموت، ويلقى الله تعالى على حسن خاتمة. يقول الله تعالى في سورة ق: (فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد)، وجاء العلم ليثبت أنّ الإنسان يوضع على عينيه حاجز حيث يرى بمدى محدّد، ووظيفة هذا الحاجز أنه يمنعنا من أن نرى الجنّ والملائكة، وعندما تأتي ساعة الاحتضار، يتمّ رفع هذا الحاجب، ويرى الإنسان الملائكة، وبعد ذلك يصبح عنده تشويش في الدماغ مما رآه، حيث لا يمكن أن يتحدّث عما يراه وتتبلّل الأطراف ويحدث هبوط في القلب، ويتم نزع الروح من القدم حتى لا يهرب الانسان من ألم خروجها، يقول الله تعالى: (والتفّت الساق بالساق). كما أنّ ألم طلوع الروح قدّره العلماء بـ 3000 ضربة بالسيف. هل من تعليق منكم شيخنا العزيز؟
الجواب: أولاً: دائماً أفضّل في القضايا المنقولة عن العلم الحديث أن نذكر مصدرها الأصلي الموثوق والمعتمد من الناحية العلميّة، أمّا التعوّد على إطلاق الأمور بهذه الطريقة فهو غير علمي ولا أكاديمي ولا ممنهج، وكثيراً ما سمعنا بمثل هذه المنقولات عن العلم الحديث ثم تبيّن أنّ العلم الحديث لا علم له بها ولا خبر، أو أنّها منشورة في مجلّة عادية علميّة لا ترقى إلى مستوى المجلات المحكمة والمعتمدة؛ لهذا يرجى التوثيق ومطالبة من يدّعي بذلك أيضاً، حمايةً لمسيرتنا الثقافيّة والعلميّة. ولست أدري هل العلم الحديث يؤمن بالملائكة أم لا؟ وكيف عرفنا أنّ المحتضر يرى الملائكة علميّاً ـ وليس دينياً فقط ـ مع أنّه يحدث تشوّش في دماغه حسب النقل المشار إليه أعلاه بحيث يُعجزه ذلك عن إخبارنا؟ هذه قضايا يستحسن توضيحها بدل إطلاق الكلام بهذه الطريقة، حتى لا نصبح ـ أحياناً على الأقلّ ـ عرضةً لسخريّة المختصّين.
ثانياً: إنّ قوله تعالى: (والتفّت الساق بالساق)، ليس معناه الإشارة إلى أنّ بداية نزع الروح من طرف القدم، بل في هذه الآية الكريمة تفاسير متعدّدة، فذهب بعضهم إلى التفاف ساق الدنيا بالآخرة، في كناية واضحة عن الدخول في مرحلة وسطى، وهي نفس عمليّة الانتقال إلى العالم الآخر. وذهب آخرون إلى أنّ المراد منها الكناية بلغة العرب عن شدّة الأمر جدّاً، تقول العرب: كشفت الحرب عن ساقها، أي اشتدّت، فالتفاف الساقين بمعنى اتصال الشدّة بالشدّة وتداخلهما، أي اشتداد المشكلات وطولها واستمرارها، ولعلّ هذا هو المعنى الجامع الأرجح. وذهب فريق ثالث إلى أنّ المراد هو تحريك الميت لساقيه حال الموت، فيمدّ واحدةً ويأخذ أخرى، في تعبير آخر أيضاً عن شدّة الألم، فإنّ المتألّم يفعل ذلك. ويذهب فريق رابع إلى أنّ المقصود هو التفافهما في الكفن في تعبير كنائي عن الاستسلام للقبر، إلى غيرها من التفاسير. لكنّ هذا كلّه لا يشير إطلاقاً ـ بحسب دلالة الآية الكريمة ـ إلى أنّ بداية النزع هي من القدم، وإنّما هذا ثابت بالروايات المنقولة، ولعلّ العلم يؤيّده، فلا ينبغي توجيه الآيات بطريقة تحميلية بعيدة عن الدلالة اللغوية والعرفية للنصّ.