السؤال: قرأت بحثاً لكاتبة من جامعة القاهرة، اسمها الدكتورة مريم إبراهيم هندي، تحت عنوان (العقيقة في الفقه الإسلامي)، وقد جاء في مقال الكاتبة النصّ التالي: (وقد رجعت في هذا البحث إلى ستة مذاهب، وهي: المالكي، والشافعي، والحنبلي، والظاهري، والزيدي، والإباضي، وهي المذاهب التي وجدت لأصحابها كلاماً حول العقيقة، أما المذهب الحنفي فلم أجد لها ذكراً في كتبهم؛ وذلك لأنهم يرون أنّها بدعة، كما هو مذكور عنهم في كتب الفقه المقارن، وأما الشيعة الإمامية فلم أجد للعقيقة ذكراً في كتاب (شرائع الإسلام) للحلّي، ولا في (تهذيب الأحكام) للطوسي، ولا أدري السبب في عدم تناولهم لأحكامها، ولم أجد تعليلاً لذلك في الكتب التي اطّلعت عليها). سؤالي فضيلة الدكتور هو: هل لا وجود للعقيقة عند الشيعة الإماميّة؟ ولماذا؟ وهل تعتقدون بأنّها بدعة كما يذهب إليه الأحناف؟ (خالد، من مصر).
الجواب: العقيقة في مشهور الفقه الإمامي سنّةٌ مستحبّة وليست بواجبة، وقد ذكرها معظم الفقهاء، ولعلّ الكاتبة الموقّرة لم تدقّق في كتب الإماميّة أو لم تتوفّر بين يديها هذه الكتب، ففي كتاب شرائع الإسلام نفسه، جاء النصّ التالي: (وأما العقيقة: فيستحب أن يعقّ عن الذكر ذكر، وعن الأنثى أنثى، وهل تجب العقيقة؟ قيل: نعم، والوجه الاستحباب. ولو تصدّق بثمنها، لم يجز في القيام بالسنّة. ولو عجز عنها، أخّرها حتى يتمكّن، ولا يسقط الاستحباب. ويستحبّ أن تجتمع فيها شروط الأضحية، وأن تخصّ القابلة منها بالرجل والورك. ولو لم تكن قابلة، أعطي الأم تتصدّق به. ولو لم يعقّ الوالد، استحبّ للولد أن يعقّ عن نفسه إذا بلغ. ولو مات الصبي يوم السابع، فإن مات قبل الزوال، سقطت. ولو مات بعده، لم يسقط الاستحباب. ويكره للوالدين أن يأكلا منها، وأن يكسر شيء من عظامها، بل يفصل أعضاؤها) (شرائع الإسلام 2: 565 ـ 566)، بل في كتاب تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي يوجد باب مستقل تحت عنوان: (باب الولادة والنفاس والعقيقة)، وقد أورد فيه الطوسي عشرات الروايات في هذه الموضوعات الثلاثة، وهذه بعض الأحاديث عند الإماميّة ممّا يدلّ على التأكيد على العقيقة، وهي موجودة في تهذيب الأحكام: (..عن علي بن أبي حمزة، عن العبد الصالح عليه السلام قال: العقيقة واجبة إذا ولد للرجل ولدُ، فإن أحبّ أن يسمّيه من يومه فعل… عن يونس، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن العقيقة واجبةٌ هي؟ قال: نعم واجبة… عن أبي المعزا، عن علي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: العقيقة واجبة… عن أبي خديجة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: كلّ مولود مرتهنٌ بالعقيقة… عن عمر بن يزيد، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنّي والله ما أدري كان أبي عقّ عنّي أم لا؟ قال: فأمرني أبو عبد الله عليه السلام، فعققت عن نفسي وأنا شيخ، وقال عمر: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كلّ امرئ مرتهنٌ بعقيقته…)، (راجع: تهذيب الأحكام 7: 440 ـ 441). وأحكام العقيقة موجودة في أغلب الكتب الفقهيّة عند المذهب الإمامي. نأمل أن ينفتح المسلمون على تراث بعضهم بعضاً؛ لتتوفّر للباحثين والكتّاب فرص الوصول إلى الآراء والاجتهادات عند المذاهب الإسلاميّة كافّة، إن شاء الله.