السؤال: هل مفهوم التقليد يعني التبعية العمياء، ويعني هنا أن أقوم بالتقليد حتى في الأمور التي لا أقتنع بها نهائياً، ولا يوجد دليل ظاهر عليها في القرآن أو بمعنى آخر أن أقوم بإلغاء تام لعقلي؟ أريد أن أعطي مثلاً موضوع الغناء. (محمود، من لبنان).
الجواب: التقليد عند الفقهاء هو أن ترجع للفقيه الذي تعمل بفتاويه وتطبّق ما توصّل هو إليه من نتائج فقهيّة، وليس عندهم في التقليد أن تقتنع أنت بتلك النتائج؛ لأنهم يعتبرون أنّ الشخص غير المجتهد لا يستطيع أن يحكّم قناعاته الشخصيّة في قضايا لا يملك فيها تخصّصاً، ويرون أنّ هذه هي الحالة البشرية في مختلف الاختصاصات. نعم هناك عدد قليل جدّاً من الفقهاء ـ كالشيخ الصادقي الطهراني رحمه الله ـ قال بأنّ التقليد يعني أن تتّبع شخصاً فتقتنع بما قال، بمعنى أن تحصل عندك سكينة لقوله وكلامه، بحيث لا تشعر باضطراب في الاقتناع بما توصّل إليه. وعلى أية حال فلا يمانع الفقهاء ـ نظريّاً ـ من أن يسأل الإنسان عن دليلهم الذي استندوا إليه في هذه الفتوى أو تلك. وقد كنت كتبت سابقاً في بعض المقالات أنه من الضروري إرفاق الفتاوى بنبذةٍ مختصرة عن الدليل حيث يمكن.
أضف إلى ذلك أنّ مسألة القناعة التي تحدّثتم عنها يمكن أن تفسّر بتفسيرين: فمرّةً تقول: أنا أملك نصّاً في الحديث أو في القرآن الكريم يحرّم الغناء، لكنّني لست مقتنعاً بهذا التحريم، ولا أرى له مبرّراً منطقياً ومعقولاً، ومرّةً أخرى تقول: إنني لا أقتنع بتحريم الغناء؛ لأنني لم أجد نصّاً دينيّاً مقنعاً يحرّم الغناء، ففي الحالة الأولى لا تأثير لعدم قناعتك من وجهة نظر الفقهاء؛ لأنّ النص مادام موجوداً فلا يحقّ للمسلم أن يعترض على الحجّة التي أرسلها الله تعالى له، قال تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلّمواً تسليماً)، وقال سبحانه: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم)، فلو اقتنعت أو لم تقتنع لا يمكنك شرعاً أن تتمرّد على الموقف الشرعي، بحجّة عدم الاقتناع. أما في الحالة الثانية فمن حقّك أن تسأل عن المستند الذي اندفع الفقهاء على أساسه للإفتاء بهذا أو ذاك، ومن حقّك الذهاب بعيداً في النقد والتمحيص والسؤال والاستفهام، ومن واجبهم من حيث المبدأ أن يشرحوا لك ويبيّنوا، فإذا كانت القضية من الأمور الواضحة أو شبه الواضحة بحيث يمكن للإنسان أن يحسمها دون حاجة لمقدّمات طويلة، كان بالإمكان تبنّي مواقف، وإلا فلا يمكن إلا بعد طيّ تلك المقدمات الطويلة من البحث العلمي.