السؤال: س1: ما هو رأي المدرسة الشيعيّة بالتطرّف الفقهي أو الفكري؟ وهل التطرّف مفهوم حديث أم له جذور تاريخيّة؟ وهل التطرّف محصور على المدرسة السنّية أم أنّه موجود كذلك عند المدرسة الإماميّة الشيعيّة؟ (محمّد الدوخي، المملكة العربية السعوديّة).
س2: نسمع كلاماً جميلاً لبعض الأعلام الشيعة عن التعايش مع الإخوة من السنّة، وتجاوز استفزاز بعض المتطرفين منهم، ولكن لا نسمع مثل هذه الدعوة منهم تجاه الشيعي المختلف معهم، بل نراهم متطرّفين نسبيّاً داخل البيت الشيعي، ترى كيف يصدّقهم السنّي المتابع إذا لم يُحسنوا التعامل فيما بينهم؟ ما نصيحتك في التعامل مع أيّ متطرّف خاصّة المنتمي لمدرسة أهل البيت عليهم السلام؟ (خليفة، المملكة العربية السعودية).
س3: كان حديثنا مع بعض الأحبّة حول مشكلة شياع (سلوك السلفيّة في التعامل الآخر) في المجتمع الشيعي، والتي نراها في مشاركات بعض الإخوة على الفيسبوك وحواراتهم، وبالتأكيد لهم ما يدعم موقفهم من علماء ومراجع، كان الحديث عن المشكلة وحديثنا الآتي سيكون حول الحلول لهذه المشكلة، وما السبيل الشرعيّ الأمثل في التعامل معهم؟ وما العلاج الناجع لهم من قبلنا؟ (خليفة، المملكة العربيّة السعوديّة).
الجواب: الحديث عن التطرّف وأسبابه ونتائجه وآثاره ووسائل معالجته وزواياه حديثٌ طويل جدّاً كتبت حوله الكتب والمقالات، وعقدت لأجله المؤتمرات والندوات، وألقيت فيه الخطب والمحاضرات، بما يفوق الحصر، سياسياً ودينيّاً واجتماعيّاً وثقافيّاً ونفسيّاً وغير ذلك، ولا يمكن من خلال جوابٍ على سؤال تناول مثل هذا الموضوع بعيد المدى ومترامي الأطراف، لكنّني سأحاول الإضاءة على بعض الجوانب باختصار، مركّزاً على العنصر الديني كونه محلّ الحديث والسؤال:
1 ـ ثمّة أسباب عديدة لظهور التطرّف في المجتمع، وليس الوحيد منها هو السبب الديني، بل إنّ الأزمات الاقتصاديّة الحادّة، والاصطفافات السياسيّة، والحروب المتتالية، والتشنّج الأمني، والدول المستبدّة القمعيّة، كلّها عناصر ذات صلة بقضيّة مثل التطرّف، ومن ثمّ لا يصحّ فصل التطرّف عن هذه العناصر وتحميل مسؤوليّته للدين أو لعلماء الدين خاصّة، مهما تحمّلوا في واقع الأمر من مسؤوليّة.
لكنّ هذا لا يعفي الدين وعلماءه من دورهم التاريخي في هذا الموضوع، فقد كانت للدين وما تزال (في الديانات المختلفة) قراءات متطرّفة، لا تقوم على رؤية الآخر ولا احترام وجوده، وفي النصوص الدينية ما يسمح بظهور مدرسة من هذا النوع، فلغة الإقصاء والرفض والنبذ موجودة في تراثنا الديني، بل وتراث غيرنا أيضاً، وليس التطرّف مجرّد فهم ألقاه المتطرّفون على النصوص الدينية، بل في بعض الأحيان نجد أنّ النصوص الدينية نفسها تمنح التطرّف أكثر من جرعة، ومن ثمّ فلمعالجة منابع التطرّف دينيّاً لابدّ ليس فقط من الاجتهاد في فهم النصوص الدينية، بل وأيضاً من التثبّت من صحّة بعضها، لاسيما الحديث الشريف؛ لأنّ بعضها مهما حاولت أن تفهمه يظلّ يمنحك رؤيةً متطرّفة تجاه الآخر. فنحن بحاجة لمواجهة التطرّف إلى اجتهاد داخل ديني جريء وموضوعي في الإثبات والفهم، إضافة إلى اجتهاد خارج ديني أيضاً.
2 ـ ولا يبدو لي ـ وأنا أراجع التراث الديني للمذاهب ـ أنّ التطرّف هو ثقافة مذهبيّة خاصّة بأحد المذاهب، بل ما يبدو لي هو أنّ التطرّف سمة أكثر المذاهب الإسلاميّة، إن لم نقل جميعها، فلو عدنا للموروث الكلامي والحديثي والتاريخي والفقهي للمذاهب، فسوف نجد لغة التكفير والتخوين والتفسيق هي أبسط اللغات التي يتمّ استخدامها في حقّ بعضنا بعضاً، ولو تسنّى لشخص أن يشتغل على هذا الموضوع لكتب موسوعةً في النصوص المتطرّفة والتكفيريّة والعنفيّة التي احتوتها كتب المسلمين عبر التاريخ. ولا يقف هذا الأمر عند حدود الخلاف بين المذاهب، بل لقد رأينا عبر التاريخ أنّ الخلافات داخل المذاهب لم تبتعد عن هذه اللغة، سواء في ذلك الشيعة كما في صراع الإخباريّة والأصوليّة، وصراع المشروطة والمستبدّة، أم غيرهم كما في صراعات المعتزلة والأشاعرة وأهل الحديث، والتنكيل الذي ارتكب بحقّ العلماء كالإمامين: النسائي والطبري، أم في صراع الاتجاهات الفكريّة، مثل الظلم الذي لحق بالفلاسفة والعرفاء والمتصوّفة عبر التاريخ، ولغة النبذ والإقصاء التي مورست وما تزال إلى اليوم في حقّهم، وثقافة إحراق المكتبات ومراكز الفكر والترجمة، والرفع على مقصلة الإعدام كما حصل مع الحلاج والسهروردي وغيرهما. لكنّ هذا لا يعني تساوي المذاهب في درجة تطرّفها وعنفها إزاء الآخر، فلا أستطيع أن أضع التيار السائد في الحالة السلفيّة السنيّة مع مثل المذهب الزيدي أو المتصوّفة، فالقياس لا يجوز، فالمذهب الزيدي ـ فضلاً عن المتصوّفة ـ ليس أبداً بتلك الحدّة المتطرّفة التي جاءت مع فكر الشيخ ابن تيميّة والشيخ محمّد بن عبد الوهاب، إذن فيجب أن نستنتج:
أولاً: إنّ التطرّف ولغة الإقصاء والنبذ أمرٌ مشترك بين الاتجاهات والمذاهب الإسلاميّة، وليس مفهوماً حديثاً، بل هو قديم، ليس في تاريخ المسلمين فحسب، بل وفي تاريخ الديانات السماويّة أيضاً، ولو قرأنا التاريخ لرأينا أنّ ما يحدث اليوم قد حدث مثله عدّة مرات وبنفس الفظاعة والبشاعة التي تذهلنا في هذه الأيّام، فلنراجع التاريخ في العصور: الأيوبي والعثماني والصفوي والعباسي والمملوكي والأموي و.. لنتأكّد من ذلك.
ثانياً: إنّه رغم اشتراك المذاهب في ثقافة التطرّف إلا أنّ نسبه تختلف بينها شدّةً وضعفاً، كما تختلف تاريخيّاً شدّة وضعفاً، فقد تجد مذهباً ما في فترة زمنيّة معيّنة عُرف عنه الاعتدال دون فترة أخرى شهد فيها درجةً متقدّمة من التطرّف والعنف.
ثالثاً: إنّ التطرّف والتكفير تارةً يكون دمويّاً، وأخرى لا يكون دمويّاً، وبين المذاهب اختلافات عبر التاريخ في درجة التطرّف من حيث الدمويّة وعدمها، فلا يمكنني أن أضع الإماميّة في سلّة واحدة مع بعض مذاهب أهل الحديث السنيّة في درجة تطرّفها من هذه الناحية، على الأقلّ في بعض الفترات الزمنيّة.
رابعاً: إنّه لا يمكن أن نأخذ المذاهب بكلام واحد، ففي كلّ المذاهب توجد تيارات بعضها يميل ـ من حيث يشعر أو لا يشعر ـ إلى الاعتدال والوسطيّة ولغة التواصل، وبعضها الآخر أقرب إلى لغة التطرّف والعنف، فحتى داخل المذهب السلفي توجد هذه الحال، فلا يصحّ اليوم مثلاً أن نتحدّث عن السلفيّة السنيّة بلغة أنّها وحدة واحدة غير قابلة للتفكيك، بل يمكن التفكيك بينها بدرجة معيّنة، رغم اشتراكها في درجات أخرى.
خامساً: يجب التمييز ـ وهذا جهد تاريخي ومعاصر ـ بين التطرّف بوصفه فعلاً، والتطرّف بوصفه ردّة فعل، فلو أخذنا الأقلّيات على سبيل المثال فإنّنا لو وجدنا في هذه المذاهب تطرّفاً، فمن المتوقّع أن يكون ردّة فعل على تطرّف السلطات وعنفها وقسوتها، فلا يصحّ بعد هذا أن أضع تطرّف الفعل في صفٍّ واحد مع التطرّف الناتج عن ردّة الفعل والدفاع عن الهويّة والذات.
3 ـ وعندما أتحدّث عن وجود بيئة تراثية حاضنة للتطرّف عند هذا المذهب أو ذاك، فهذا يعني أنّنا بدأنا نتكلّم عن تطرّف يقوم على خلفيّة فكريّة وتراثية ودينيّة، ومن ثم سينفتح أمامنا الباب في أن نعذر المتطرّف هنا أو هناك؛ لأنّ تطرّفه هذا جاء نتيجة قراءة دينيّة، ولم يأتِ من فراغ، فالاجتهاد الموضوعي يوصل أحياناً إلى التطرّف ما دام الخطأ وارداً في الفهم أو الإثبات، وعلينا احترام هذا التطرّف ـ فكريّاً وثقافيّاً ـ ما دام وجهة نظر اجتهاديّة في علوم العقيدة تارةً والشريعة أخرى.
لكنّ عذر المتطرّف في اجتهاده القائم على النصوص مثلاً، لا يعني عدم وجود حقّ لي في الدفاع عن وجهة نظري وعن حقوقي التي يريد هذا المتطرّف أو ذاك سلبها منّي بحجّةٍ دينية يراها هو باجتهاده، ففي الوقت الذي قد أعذر بعض المتطرّفين لكنّني أجد نفسي مضطراً لمواجهته بغية أن أحصل على حقوقي التي أؤمن بها وفقاً لقراءة دينية مختلفة عندي، فهذا مثل مجاهد يظنّك من جنود العدو فيصوّب البندقيّة إليك ليقتلك، ففي الوقت الذي تؤمن أنت بكونه معذوراً فيما يفعل، تسعى لصدّ هجومه عليك، حتى لو اضطررت لاستخدام النار وقتله دفاعاً عن نفسك، فليس مواجهة التطرّف سلباً لحقّ المتطرّف في الاجتهاد أو لعذره فيما يراه، بل هي إثباتٌ لحقّي في الاجتهاد مقابل سلبه حقّي هذا منّي، وبهذه الطريقة أنظر إلى المتطرّف المذهبي أو المتطرّف داخل المذهب الواحد بنظرةٍ أخويّة وبعين ملؤها المحبّة، في الوقت عينه الذي أدافع بكلّ وسائل الدفاع المشروعة عن حقوقي وعن الدين والقيم التي أراها بيني وبين ربّي، وهذا ما يبقي باب الحوار والأخوّة مفتوحاً حتى مع المتطرّف، ولعلّه من هنا عبّرت آية البغي (الحجرات: 9) بأنّ الطائفتين المتقاتلتين مؤمنتان، رغم قتل هذه لهذه وقتل تلك لتلك.
إنّني أفترض أنّ هذه الفكرة مهمّة، وهي تفكّك نشاطنا الفكري عن نشاطنا الوجودي، ففي عالم الفكر والاجتهاد والنظر والثقافة لا فرق ـ دينيّاً ـ بين التطرّف وغيره، فهي اجتهادات ينبغي البحث معها بلغة علميّة، أمّا في عالم الوجود والكينونة والهويّة فإنّ علاقتي بالتطرّف هي علاقة جهاديّة، بمعنى إنّها دفاعٌ عن حقوقي وإنسانيّتي وعن ديني وإسلامي بكلّ وسيلة مشروعة، وبهذا يتمّ تخليص الفكر من صراع الوجود، وتخليص الوجود من حزام التعذير القابض على المفاصل، فلا ننتج فكراً متطرّفاً في مقابل التطرّف، ولا تكون الحرب على التطرّف مبرّراً لإنتاج تطرّف جديد، في الوقت عينه الذي نحارب التطرّف وندافع عن وجودنا في مقابله، حتى ولو بالدم إذا استدعى الأمر وبرّرته الموازين الشرعيّة والأخلاقيّة والحقوقيّة.
4 ـ من هنا فالأصل في العلاقة مع الفكر المتطرّف في الداخل الإسلامي أو المذهبي هو الأخوّة والمودّة والرفق، وإن كان الأصل في العلاقة مع العدوان التطرّفي هو الدفاع والحرب بأشكالها، وبهذا تختلف طريقة تعاملي مع أشكال التطرّف، ففي التطرّف الدموي أو شبهه أنا مطالب بالدفاع وتخاطبني آية البغي لتجيز لي استخدام الوسائل التي لم تكن مجازةً قبل عدوان المتطرّف عليّ، أمّا في أشكال التطرّف الأخرى فإنّني مطالب بالرفق والحسنى، وليس من سبيل لمواجهة التطرّف سوى بتجفيف منابعه؛ لأنّ التطرّف كأنبوب النفط المشتعل، يجب أن تقطع ضخّ النفط عنه حتى تنتهي من مشكلته، وهذا معناه أنّ الجدل المباشر مع التطرّف قد يكون مفيداً في بعض الأحيان، لكنّه في بعض الأحيان الأخرى يمكن أن يكون بنفسه وقوداً للتطرّف؛ لأنّ التطرّف يعيش على ثقافة المساجلات والمماحكات والصراعات والقيل والقال، فكلّما دخلت معه في هذا النوع من الخطاب وبطريقة مباشرة، فإنّك قد توفّر له فرصةً إضافيّة للاستمرار، بخلاف حالة تجفيف منابعه، عبر نشر ثقافة عامّة تدعو للعقلانيّة، ومراعاة الأولويّات، ومرجعيّة العلم، ورفع حالة الأميّة، وتوسيع الآفاق الثقافية المنفتحة على الشعوب الأخرى، والمحبّة، والأخوّة، والتعذير وغير ذلك، فكلّما عمّت هذه الثقافة أصبح التطرّف في عزلة. طبعاً إلى جانب العناصر السياسية والاقتصادية المؤثرة والفاعلة في مسألةٍ من هذا النوع، فليس الخلاص من التطرّف ـ كما أشرتُ مطلع حديثي ـ بيد علماء الدين لوحدهم، وليسوا هم الأصل فيه دوماً، فلقد شهد العالم الإسلامي تيارات لا علاقة لها بالدين ولم تكن أقلّ تطرّفاً وشموليّةً من الكثير من أشكال التطرّف الديني في بعض حالاتها، فلابدّ من تعاون لمواجهة التطرّف سياسيّاً وإعلاميّاً وثقافيّاً ودينيّاً وتربويّاً، وكذلك على مستوى مناهج التربية والتعليم.
5 ـ إنّ لغة العنف وممارساته قد نجد لها منطلقات متناقضة، بمعنى قد تكون لأنّك من الأقليّات الدينية أو غيرها تشعر بضغط شديد من حصار الأكثريّة، فتنفجر قوّةً عُنفيّة متطرّفة في وجهها، ولكن في بعض الأحيان يكون لخصوصية القلّة الدور الكبير في نشر ثقافة التسامح من قبلك؛ لأنّ ثقافة التسامح هذه تعطيك المجال في الوجود والبقاء، فليس لغة التسامح التي تكون عند الأقليّات الدينية أو المذهبيّة أو الفكريّة أو السياسيّة بدليل قناعة ضاربة في العمق بها بالضرورة، بقدر ما قد تكون دليلاً على حاجتها لهذا التسامح ليكون ثقافةً عامّة وسياسة مهيمنة، بغية تحصيل ما تريد ـ بوصفها أقليّةً ـ في محيطٍ أكثري، ولهذا عندما تصبح هي الأكثريّة في مكانٍ آخر أو الأقوى فسوف نجد عندها ارتداداً نحو خطاب العنف والتطرّف والنبذ والتحقير. وهذا بعينه يحصل أيضاً بالعكس، فقد تحتاج الأكثرية لخطاب التسامح لترتاح من قلق الأقليّة؛ لأنّ خطاب الانفتاح والتسامح يمكن أن ينفّس احتقان الأقلّيات، فيما يكون خطاب العنف سبيلاً لانفجار الأقلّيات كقنبلةٍ موقوتة في وجه الأكثريّة.
هذا ما يفسّر ـ أحياناً ـ أنّ بعضنا لديه لغة حواريّة وتسامحيّة وتقريبيّة مع المذاهب الأخرى، في حين ليست لديه مثل هذه اللغة مع أبناء مذهبه. كما أنّ الموضوع له علاقة أيضاً بمجالات النفوذ والسلطة والهيمنة، فالآخر المذهبي قد لا يفقدني نفوذي داخل جماعتي، فيما الآخر الداخل مذهبي يمكنه أن يفقدني إيّاها، فلا ينبغي أن نفصل الكثير من القضايا الثقافيّة والفكريّة والمسلكيّة عن صراع السلطة والنفوذ بالمعنى الأوسع من مجال السلطة السياسيّة، دون أن نتهم أحداً في دينه وأخلاقه، حيث إنّنا نحاول ملامسة اللاوعي في هذه المنطلقات.
6 ـ وأخيراً، أجد أنّ وظيفة كلّ عالمٍ ديني أو مثقّف أو كاتب أو ناشط أو تربويّ أو إعلامي هو نشر ثقافة الوعي والعقلانية والتسامح والواقعيّة والمحبّة والأخوّة والتواصل والآخر والعلم والتنوّع والتعدّد، وخلع صفة الدينية والمذهبية عن حروبنا السياسية اليوم، وتركيز هذه المفاهيم وأمثالها في كلّ نشاطاتنا التربويّة للجيل القادم، ومحاولة تسليط الضوء دوماً على نصوص التراث التسامحيّة، وعدم السماح للمتطرّفين بتصوير التراث بأنّه ذو وجه واحد، وهو الوجه المتطرّف، فإنّ التراث وإن وجدنا فيه التطرّف كما قلنا، لكنّ فيه الكثير الكثير من عناصر التسامح وفرص التواصل ومقوّمات النهوض، ودورنا هو الإضاءة دوماً على النصوص والكلمات والأحاديث والمواقف والشخصيّات والتجارب والأحداث التي تركّز في وعينا التاريخي الجانب المضيء (مع التركيّز على عدم البقاء في التاريخ)، بدل أن يحتكر المتطرّفون ـ كما أراد ذلك الكثير من المستشرقين واستسلم لهم بعض مثقفينا مع الأسف ـ الإرثَ المظلم من تاريخنا فيحاولون تعميمه على كلّ التاريخ، ليشعر المواطن العربي والمسلم بأنّه لا تاريخ لدينا إلا هذا التاريخ، فإما أن نكون متطرّفين أو نخرج من تاريخنا وهويّتنا، والعياذ بالله.