السؤال: سماحة آية الله الشيخ حيدر حبّ الله دام عزّه. شيعيٌّ لديه إشكالات وتساؤلات حول الأئمّة الطاهرين عليهم السلام من الناحية التاريخيّة وحول العصمة، وهو شاعر وأديب، وعنده تساؤلات حول غيبة الإمام المهدي عجّل فرجه الشريف، فهل يصحّ لأحد أن يجعله ملحداً ومتى يعتبر ملحداً؟ وهل يمنع من دخول الحسينيات والمساجد؟ وهل يمنع من المشاركة في مواليد وأفراح أهل البيت عليهم السلام. أفيدونا فقد أصبح لدينا الكثير من التساؤلات والإشكالات من الكثير ويطرحونها بوسائل الاتصال، ويقوم بعض رجال الدين بتضليل من يقوم بذلك، واعتباره ملحداً، ومحاربته، ومحاربة من يدعوه لإصلاحه وتوطيد مشاركته وترغيبه في المساجد والحسينيات. أفيدونا حول ذلك (نور).
الجواب: توجد أسئلة متعدّدة في سؤالكم:
أ ـ إنّ الإلحاد ـ بمفهومه المعاصر لا بمطلق مفهومه اللغوي ـ هو إنكار لوجود الله تعالى، وعلى أخفّ تقدير هو نوع من اللادينيّة، أمّا من يؤمن بالله ورسوله فلا يصحّ إطلاق لفظ المُلْحِد عليه، نعم لو ثبت بالبيّنة الشرعيّة أنّه لا يؤمن بالله ورسوله، فيمكن تصحيح هذا الإطلاق من حيث المبدأ، وعلينا المبالغة في التشدّد في توصيف الناس بأوصاف سلبيّة؛ لما في ذلك من شبهة الاتهام بالباطل، وقد وردت نصوص تنهى عن اتهام المسلم بالكفر وتتشدّد في ذلك.
ب ـ لو كانت عند شخصٍ إشكالياتٌ أو التباسات أو شبهات ـ ما شئت فعبّر ـ حول قضيّة شرعيّة أو عقديّة في الإسلام أو المذهب، فهذا لا يمنع شرعاً من دخوله المساجد والحسينيات، كيف وبعض الفقهاء ـ ومنهم السيد الخوئي ـ لا يرون إشكالاً في تحريم دخول الكافر إلى المساجد غير المشرك إلى المسجد الحرام خاصّة، فتكون المسألة احتياطية كما هي عند الشيخ بهجت رحمه الله أيضاً، وبعضهم مثل الشيخ ناصر مكارم الشيرازي يرى جواز ذلك إذا كان الغرض هدايته، وبعضٌ ثالث من الفقهاء ـ مثل السيد الخامنئي في إحدى فتوييه ـ يرون جواز ذلك ما لم يلزم الهتك لحرمة المسجد، فلو فرضناه كافراً فلا تمنعه الشريعة ـ في رأي فقهي ـ من دخول بيت الله تعالى، فضلاً عن المآتم والحسينيات، لاسيما إذا كانت له في ذلك الهداية المحتملة، أو إيقاف تزايد انحرافه الفكري.
ج ـ قد يكون منطلق إخواننا المعارضين هنا ليس المسألة الفقهيّة بالمعنى الفقهي الخاصّ للقضيّة، وإنّما المسألة هي مسألة إدارة الصراع مع ما يعتبرونه ضلالاً، ولعلّهم يرون أنّ في دعوته لهذه الأماكن ـ لاسيما لو كانت له محاضرة أو كلمة أو شيء من هذا القبيل ـ اعترافاً به وبضلاله وتقويةً له، وهو أمرٌ مرفوض في الدين. وهذا لا يتصل بمسألة فقهيّة، بل يتصل بتطبيق العنوان الفقهي، فهؤلاء اعتبروا أنّ تطبيق العنوان الفقهي في مواجهة الضلال مثلاً يكون عبر ممارسة الحجر والمنع وقطع العلاقات والعزل ونحو ذلك، وهذا التطبيق يعبّر عن وجهة نظر، لكنّه ليس فتوى شرعيّة، إنّما الفتوى الشرعيّة لزوم مواجهة الضلال والعمل على ما فيه مصلحة الوعي الديني والإيماني، ويكون هو السبيل الأنجع في تحقيق الأغراض الشرعيّة العليا.
وقد سبق لي أن تحدّثت كثيراً في هذا الموضوع في أسئلة سابقة يمكنكم مراجعتها، وبيّنتُ رؤيتي لطريقة مواجهة ما نعتبره انحرافاً فكريّاً في الساحة، وأنّ المرحلة اليوم ماذا تتطلّب منّا على هذا الصعيد، وأنّ علينا الانتباه والتمييز بين مواجهة الضلال وبين سدّ باب الاجتهاد في علم الكلام والفقه والتاريخ والأخلاق، فإذا اجتهد شخصٌ في مسألة عقديّة فأخطأ، فعلينا أن نميّز بين الاجتهاد الخاطئ ومسألة سقوط المحرّمات في المواجهة الفكريّة مع الضلال، كما علينا التمييز بين أسلوبه وفكره. وقناعتي الشخصيّة التي قلتُها مراراً هي أنّ أصالة العنف في المواجهة آيلةٌ ـ في غالب الظنّ ـ إلى زوال، بل آيلة إلى إلحاق الضرر بأصحابها، وعلينا دعوة هؤلاء (المتهمين بالضلال) والدخول في حوار معهم، أمّا العزل على طريقة بعضنا فلن ينتج سوى تشظّيات اجتماعيّة ومزيدٍ من التمزّقات في اللحمة القائمة بين أفراد المجتمع الواحد، بل حتى القبيلة أو الأسرة الواحدة.. القاعدة تقول: إذا اجتهد فاجتهد في مقابله، وإذا أخطأ فانتقده وصحّح له، وإذا حاور فحاوره، وإذا نشر مقالاً فانشر ألفاً وألفين، وإذا ألقى محاضرةً فقدّم سلسلة محاضرات نقديّة، فهذا كلّه حقّ محفوظ لك ومشروع، بل هو واجب عليك، وإذا أساء الأدب فعبّر عن انزعاجك وأنّبه وطالبه بحسن الحوار، وكن مستعداً لأن يتمّ تأنيبُك إذا أسأت أنت الأدب مع الآخرين، فليس سوء الأدب حقٌّ مشروع لجماعة وجُرمٌ فظيع من جماعة آخرين، بحيث لا نشعر بأنفسنا ونحن نسيء الأدب مع الناس لكنّنا نلاحظ أبسط أنواع الإساءة من الآخرين عندما يرتكبونها تجاهنا! إنّها قواعد اللعبة وعلينا أن نقبل بها، وننظر فيما يراه الناس ويختارونه (أفانت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) (يونس: 99).
د ـ إنّ كلّ ما قلته لكم هو مجرّد قواعد مبدئيّة عامّة لا تَمْنَع الاستثناء ولو النادر، أمّا التطبيق فلا يمكنني الدخول فيه، إذ يحتاج لمتابعة المشهد وحيثياته والأرجحيّات التي يمكن الذهاب معها في تبنّي خيار هنا أو هناك، ولكنّني بيّنت المزاج العام الذي اُرجّحه من حيث المبدأ في مرحلتنا الراهنة.
واُشير كما أشرت مراراً من قبل، إلى رجاء عدم المخاطبة بألقاب مثل (آية الله) أو نحوها، كما أتمنّى أن نترك رفع الأسماء إلى الشخصيّات الدينية أو إلى المراجع لإصدار فتاوى ضدّ أشخاص بأسمائهم، ولنأخذ القواعد والمعايير، ولنعصف أفكارنا جميعاً للتداول في التطبيقات الأنجع، بعيداً عن الانفعالات النفسية من جهة، واقتراباً من الرؤية الاستراتيجية بعيدة المدى من جهة أخرى، علّنا نصل إلى صيغ أكثر نضجاً، وأبعد عن استنساخ حرفيّات التاريخ إن شاء الله.
ودعوتي الأخويّة الدائمة أيضاً إلى كلّ إخوتنا النقّاد أو الذين لديهم تساؤلات وملاحظات تمثل حقّاً مشروعاً لهم في سياق البحث العلمي المنصف عن الحقيقة: أن يقدّموا تجربةً حواريّة ناضجة، وأن لا يعيدوا إنتاج خصومهم في ذواتهم من حيث النرجسيّة، ومن حيث لغة العنف والنبذ والاستهزاء والتقريع، وأن يخوضوا معركتهم بوعي ورؤية وشرف وروحٍ ملؤها الصبر والنَفَس الطويل، وليس بانفعال أو تشفٍّ أو عصبيّة، وأن يراقبوا أنفسهم أكثر من مراقبتهم الآخرين. هذه دعوتي للطرفين اُطلقها بكلّ محبّة وشفافية بوصفي أخاً لهم لا أكثر؛ علّنا ندخل في مرحلة ناضجة من فهم الخلاف والاختلاف، ووعي الحوار بين الأطياف الفكرية المختلفة في الساحة، والتي عليها جميعاً أن تعلم بأنّها لم تعد قادرةً ـ فيما يبدو ـ على إلغاء الآخر تماماً.
وأخيراً، لقد جاءتني بعض الأسئلة التي تطلب موقفي من فلان أو فلان. ورجائي أن لا نسأل عن الأشخاص، بل نسأل عن الأفكار أو التيّارات، وأن لا يكون همّنا معرفة الموقف من زيد أو عمرو، بل الهمّ الأكبر هو تكوين رؤيتنا الواضحة من هذه الفكرة أو تلك، سواء أتى بها زيد أم عمرو أم بكر أم خالد، وأظنّ أنّه بهذه الطريقة نحصّن مجتمعاتنا، ونفتح علاقتنا الفكرية مع الأفكار أولاً وبالذات، ومع الأشخاص ثانياً وبالعرض، على حدّ تعبير الفلاسفة والمناطقة، فربما بذلك نرتقي بأدائنا الفكري أكثر فأكثر، ونقدّم للعالم المعاصر أنموذجاً أفضل للتيارات الدينية في علاقاتها وحواراتها الفكريّة فيما بينها، إن شاء الله.
ام سما – السعوديه
ما لنا و البشر؟! فكل يعمل من أجل الوصول لرضا الخالق. فالتنازع حول أفكار الغير يزرع المشاكل والكره.
انا من الشخصيات التي تشتري راحتها النفسية بصمتها