السؤال: يستدلّ بعضهم على ثبوت الولاية التكوينية لأهل البيت عليهم السلام بمسألة الاسم الأعظم، فهل ترون هذا الاستدلال صحيحاً أم لا؟ (جواد، الكويت).
الجواب: إنّ الاستدلال بمسألة الاسم الأعظم على ثبوت الولاية التكوينية لأهل البيت عليهم السلام ـ بصرف النظر عن سائر الأدلّة على الولاية التكوينية المثبتة لهم ـ إذا أريد به كلمات العرفاء وبعض الفلاسفة فلم يُذكر في كلماتهم دليل على ذلك وارتباطه بالولاية لأهل البيت، وأمّا إذا أريد به ـ كما هو المتداول عادةً ـ الروايات الواردة في هذا المجال، فإنّ هذه الروايات ورد أغلبها في كتاب بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار، وبصرف النظر عن صحّة نسبة نسخة الكتاب الموجود بين أيدينا اليوم للصفار، فإنّ مهمّ هذه الروايات كالتالي:
الرواية الأولى: حدثنا أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن محمد بن الفضل (الفضيل) قال: أخبرني ضريس الوابشي، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (إنّ اسم الله الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفاً، وإنّما كان عند آصف منها حرفٌ واحد، فتكلّم به فخسف بالأرض ما بينه وبين سرير بلقيس، ثم تناول السرير يده، ثم عادت الأرض كما كانت أسرع من طرفة عين، وعندنا نحن من الاسم اثنان وسبعون حرفاً، وحرف عند الله استأثر به في علم الغيب عنده ولا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم). وهذا الخبر ضعيفٌ بمحمّد بن الفضيل الذي رموه بالغلوّ، وبضريس (شريس) الوابشي، وهو مجهول الحال عند علماء الرجال.
الرواية الثانية: حدّثنا أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن خالد، عن زكريا بن عمران القمي، عن هارون بن الجهم، عن رجل من أصحاب أبي عبد الله عليه السلام لم يحفظ اسمه، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إنّ عيسى بن مريم أعطي حرفين وكان يعمل بهما، وأعطي موسى بن عمران أربعة أحرف، وأعطي إبراهيم ثمانية أحرف، وأعطي نوح خمسة عشر حرفاً، وأعطي آدم خمسة وعشرون حرفاً، وإنّه جمع الله ذلك لمحمد صلى الله عليه وآله وأهل بيته، وإنّ اسم الله الأعظم ثلاثة وسبعون حرفاً، أعطى الله محمداً صلى الله عليه وآله اثنين وسبعين حرفاً وحجب عنه حرفاً واحداً). وهذا الخبر مرسل؛ إذ رواه ابن الجهم عن رجل، كما أنّ زكريا بن عمران مجهول الحال عند علماء الرجال.
الرواية الثالثة: أحمد بن محمد عن أبي عبد الله البرقي يرفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إن الله عز وجل جعل اسمه الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفاً، فأعطى آدم منها خمسة وعشرين حرفاً، وأعطى نوحاً منها خمسة عشر حرفاً، وأعطى منها إبراهيم ثمانية أحرف، وأعطى موسى منها أربعة أحرف، وأعطى عيسى منها حرفين، وكان يحيي بهما الموتى ويبرؤ بهما الأكمه والأبرص، وأعطى محمداً اثنين وسبعين حرفاً، واحتجب حرفاً لئلا يعلم ما في نفسه ويعلم ما نفس العباد). وهذا الخبر لا يدلّ سوى على أنّ الاسم الأعظم عند رسول الله، ولا يشمل في نفسه أهل البيت سلام الله عليهم، وأمّا من حيث السند فهو مرفوع مرسل لا سند بين البرقي والإمام كما هو واضح.
الرواية الرابعة: حدثنا محمد بن عبد الجبار، عن أبي عبد الله البرقي، عن فضالة بن أيوب، عن عبد الصمد بن بشير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (كان مع عيسى بن مريم حرفان يعمل بهما، وكان مع موسى عليه السلام أربعة أحرف، وكان مع إبراهيم ستة أحرف، وكان مع آدم خمسة وعشرون حرفاً، وكان مع نوح ثمانية، وجمع ذلك كلّه لرسول الله صلى الله عليه وآله. إنّ اسم الله ثلاثة وسبعون حرفاً وحجب عنه واحداً). وهذا الخبر من حيث السند صحيح عند السيد الخوئي، وهو عندي ضعيف بعدم ثبوت وثاقة محمد بن خالد البرقي، كما أنّ الحديث ليس فيه إشارة لأهل البيت، بل يتحدّث عن الأنبياء والنبي محمد صلوات الله عليهم، أضف إلى ذلك أنّ هذا الحديث يعارض ـ من حيث عدد الأحرف المعطاة للأنبياء ـ ما جاء في الحديثين السابقين كما يلاحظ بمراجعة متنه، وهذا معناه أنّ هناك مشكلاً ما إما في هذا الحديث أو في الذي سبقه.
والرواية الخامسة متنها متحد مع سابقتها فتقع فيها نفس المشاكل، وأمّا سندها فهو ضعيف بعدم ثبوت وثاقة محمد بن حفص فهو مجهول، أو مردّد بين الثقة وغيره.
الرواية السادسة: حدّثنا محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن محمد بن الفضيل، عن ضريس الوابشي، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قلت له: جعلت فداك، قول العالم أنا آتيك به قبل أن يرتدّ إليك طرفك؟ قال: فقال: (يا جابر، إنّ الله جعل اسمه الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفاً فكان عند العالم منها حرف واحد، فانخسفت الأرض ما بينه وبين السرير حتى التقت القطعتان وحول من هذه على هذه، وعندنا من اسم الله الأعظم اثنان وسبعون حرفاً، وحرف في علم الغيب المكنون عنده). وهذا الخبر سنده مطابق تقريباً لسند الخبر الأوّل، وفيه محمد بن الفضيل المتهم بالغلو والذي ضعّفوه، كما أنّ فيه الوابشي المجهول الحال.
الرواية السابعة: حدّثنا إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن حفص، عن عبد الصمد بن بشير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إنّ اسم الله الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفاً كان عند آصف منها حرف واحد، فتكلّم به فخسف بالأرض ما بينه وبين سرير بلقيس، ثم تناول السرير بيده ثم عادت الأرض كما كان أسرع من طرفة عين، وعندنا من الاسم اثنان وسبعون حرفاً، وحرفٌ عند الله تعالى استأثر به في علم الغيب المكتوب). وهذا الخبر فيه نفس الراوي الذي تقدّم في الخبر الخامس، وهو محمد بن حفص، ولم تثبت وثاقته.
الرواية الثامنة: حدّثنا أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن محمد بن الفضيل، عن سعد أبي عمرو الجلاب، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إنّ اسم الله الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفاً، وإنما كان عند آصف منها حرف واحد، فتكلّم فيه فخسف بالأرض ما بينه وبين سرير بلقيس، ثم تناول السرير بيده، ثم عادت الأرض كما كان أسرع من طرفة عين، وعندنا نحن من الاسم اثنان وسبعون حرفاً، وحرفٌ عند الله تعالى استأثر به في علم الغيب المكنون عنده). وهذا الخبر فيه محمد بن الفضيل الذي تقدّم في أكثر من رواية سابقة، وهو متهم بالغلو، وقد ضعّفوه، كما أنّ فيه أبا عمرو الجلاب وهو مجهول الحال.
والرواية التاسعة هي مثل الثامنة تماماً فلا نعيد.
الرواية العاشرة: حدثنا الحسن بن علي بن عبد الله، عن الحسين بن علي بن فضال، عن داود بن أبي يزيد، عن بعض أصحابنا، عن عمر بن حنظلة، فقال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: إنّي أظنّ أنّ لي عندك منزلة، قال: (أجل)، قال: قلت: فإنّ لي إليك حاجة، قال: (وما هي؟) قال: قلت: تعلّمني الاسم الأعظم، قال: (وتطيقه؟) قلت: نعم، قال: (فادخل البيت)، قال فدخل البيت، فوضع أبو جعفر يده على الأرض فأظلم البيت فأرعدت فرايص عمر، فقال: (ما تقول أعلّمك؟) فقال: لا، قال: فرفع يده، فرجع البيت كما كان. وهذه الرواية مرسلة كما هو واضح، كما أنّ عمر بن حنظلة مجهول الحال، وفاقاً للسيد الخوئي.
الرواية الحادية عشرة: حدّثنا أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن شعيب العقرقوقي (العقرقوفي) عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (كان سليمان عنده اسم الله الأكبر الذي إذا سأله أعطى وإذا دعا به أجاب، ولو كان اليوم لاحتاج إلينا). وهذه الرواية صحيحة السند، لكنّنا نلاحظ من متنها أنّها تقدّم للاسم الأعظم مفهوم الدعاء، فهي تقول بأنّ سليمان لو دعا به أجاب ولو سأل به أعطي، ولا تقول بأنّ الاسم الأكبر يجعل سليمان هو الذي يفعل أو يترك، وأنّه يدير العالم وأنّه واسطة في الفيض. والجدير ذكره أنّ بعض الروايات الأخرى عن أهل البيت صلوات الله عليهم تشرح الاسم الأعظم بأنّه مقام لو دعا الله به لأجاب، مثل خبر أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ("ألم" هو حرف من حروف اسم الله الأعظم، المقطّع في القرآن، الذي يؤلّفه النبي صلى الله عليه وآله والامام، فإذا دعا به أجيب..).
الرواية الثانية عشرة: حدّثنا الحسين بن محمد بن عامر، عن معلّى بن محمد، عن أحمد بن محمّد بن عبد الله، عن علي بن محمد النوفلي، عن أبي الحسن العسكري (ع)، قال: سمعته يقول: (اسم الله الأعظم ثلاثة وسبعون حرفاً، وإنما كان عند أصف منه حرف واحد، فتكلّم فانخرقت له الأرض فيما بينه وبين سبأ، فتناول عرش بلقيس حتى صيّره إلى سليمان، ثم انبسطت الأرض في أقلّ من طرفة عين، وعندنا منه اثنتان وسبعون حرفاً، وحرف عند الله استأثر به في علم الغيب). وهذه الرواية صحّتها موقوفة على وثاقة علي بن محمد النوفلي، ولم تثبت وثاقته إلا على مبنى كامل الزيارة غير الثابت حتى عند السيد الخوئي في مبناه الأخير.
وبهذا ظهر أنّ هناك اثنتي عشرة رواية كلّها ضعيفة السند عدا واحدة (بصرف النظر عن صحّة كتاب بصائر الدرجات في نسخته الواصلة إلينا، وهذا بحث آخر يبحثونه في محلّه، والكليني روى ثلاثة من هذه الروايات فقط، وليس بينها الرواية الصحيحة السند)، وبينها خمس روايات في سندها شخص متهم بالغلو ومضعّف، كما أنّ ثلاثة منها أخرى لا تتحدّث سوى عن النبي ولا إشارة فيها لأهل البيت، وتوجد روايتان تعارض روايات أخَر في عدد الأحرف التي عند الأنبياء، كما أنّ الرواية الصحيحة السند لا تدلّ على أكثر من أنّ هذا الاسم الأكبر عندما يبلغه العبد يكون بحيث لو دعا الله لأجابه، فهنا:
أ ـ من يقول بنظرية الوثاقة وكفاية خبر واحد صحيح السند في الأمور العقائدية، يمكنه الأخذ بالرواية الصحيحة المؤيّدة ببعض الروايات الأخرى، إذا تجاوز إشكاليّة أنّ مضمونها يحوّل فكرة الاسم الأعظم إلى مقام يستجاب به الدعاء.
ب ـ أما من يقول بعدم كفاية غير الخبر الموثوق بصدوره، فتحصيل الوثوق من مثل هذه الروايات مشكل حينئذٍ، لأنّها قليلة جداً، فإنّ الروايات الخمس التي ورد فيها محمد بن الفضيل مثلاً كلّها تصبح في قوّة رواية واحدة؛ لأنّ التعدّد مشروط بعدم وجود اسم متكرّر في السند، هذا فضلاً عما لو اشترط في المسألة العقائدية تحصيل اليقين، هذا فضلاً أيضاً عن أنّ الرواية التامّة سنداً لا إشارة فيها إلى الولاية التكوينية، بل هي دعاء يستجيبه الله. وعليه فإثبات الولاية التكوينية بمثل هذه الأدلّة غير دقيق، بل لابدّ من اتباع الأدلّة أخرى في المقام.