السؤال: راودنا إحساس وشعور ـ إن لم نكن مخطئين ـ في الآية الأربعين من سورة النبأ: (إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا). وبالتحديد في قول: وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا. أنّ سرّ هذا المعنى يكمن في قول الكافر يوم القيامة: يا ليتني كنت موالياً لأبي تراب إمامي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام؛ لأفوز بالجنان بدلاً ممّا كنت فيه من الخسران في دار الدنيا الفانية. فهل هذا الإحساس والشعور محكوم عليه بالصحّة من الناحية الشرعيّة أم لا؟
الجواب: وردت بعض الروايات التي تشير إلى هذا المعنى في تفسير هذه الآية القرآنية الكريمة، وبمراجعتي لها لم أجد بينها ـ وفقاً لقناعاتي ـ أيّ رواية صحيحة، بل بدت لي أنّها منافية لظاهر الآية القرآنية الكريمة، وتُعمل ضرباً من التكلّف في التعامل مع ألفاظها، وفقاً لمقاربة كلمة تراب مع توصيف الإمام علي عليه السلام بأبي تراب، لهذا فلم تثبت حجيّة هذه الروايات القليلة جداً من حيث العدد حتى على نظريّة حجيّة خبر الواحد الثقة.
وبصرف النظر عن ذلك، فإنّ ذات الإحساس الذي تشعرون به لا ضير فيه في حدّ نفسه ما دام الإنسان قد تعلّق إحساسه بأمر صحيح في نفسه وفقاً لما ثبت لديه، لكنّ المهم هنا هو أن لا ننسب مضمون هذا الإحساس إلى القرآن أو إلى الله تعالى بلا بيّنةٍ أو دليل، فإذا ثبت من الكتاب أو السنّة المعتبرة أو من دليلٍ آخر معتبر عندك صحّة مضمون هذا الشعور الذي تشعرونه، فيمكن نسبته إلى القرآن أو الله تعالى، وإلا فلا يصحّ حمله على كتاب الله أو التكلّف في تطويع النصّ الديني لأجله، مهما كان هذا التفسير، وإلى أيّ فضاءٍ ديني أو مذهبي أو فكري أو ثقافي انتمى.
وقد جرت عادة بعض المتصوّفة والعرفاء ـ فيما يقال ـ أن يستشعروا بعض المفاهيم عند قراءة بعض الآيات دون أن ينسبوا مضمون هذه المفاهيم إلى القرآن الكريم، وهذا أمرٌ لا مانع منه، لكن يجب التنبّه دوماً، حتى لا يحصل هناك حالٌ من التقارن الكثير بين المفهوم والآية، فيُتصوّر ـ بمرور الوقت ـ أنّ الآية تحكي عن هذا المفهوم. وقد راجت في عصرنا كثيراً حالة نسبة أشياء إلى الله والرسول وأهل البيت والصحابة والتابعين دون دليل معتبر، وإنّما تسامحاً وتساهلاً في الإثبات، بحجّة حصول الاطمئنان القلبي العفوي ونحو ذلك، ويُفترض الحذر من هذا الأمر، والعمل على تكريس مرجعيّة الدليل في كلّ ما نقول ونعتقد، حتى لا نتبع الظنّ الذي لا يُغني من الحقّ شيئاً، ولا نسير خلف ما لا علم لنا به، فإنّ السمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسؤولاً، كما ورد في الآية الشريفة.. وفّقنا الله وإيّاكم للقول الثابت والعلم النافع، بمنّه ومشيئته.