• الرئيسية
  • السيرة الذاتية
  • الكتب والمؤلفات
  • المحاضرات والدروس
  • المقالات
  • الحوارات واللقاءات
  • المرئيات
  • الأسئلة والأجوبة
  • لغات اُخرى
  • تطبيق مؤلفات حب الله
  • آراء
الموقع الرسمي لحيدر حب الله
الاجتماعية والأخلاقية التاريخ والسيرة الفقهية والشرعية الفكرية والثقافية الفلسفية والكلامية القرآنية والحديثية
# العنوان تاريخ النشر التعليقات الزائرين
13 الأخطاء النحويّة في القرآن الكريم وسبيل حلّها 2014-05-12 0 4060

الأخطاء النحويّة في القرآن الكريم وسبيل حلّها

السؤال: يتحدّث البعض عن وجود أخطاء نحويّة في القرآن الكريم، كقوله تعالى: (لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا) (النساء: 162)، حيث كان ينبغي أن يقول: (والمقيمون الصلاة)، كيف يمكن حلّ هذه المشكلة؟ (أبو يوسف، من سلطنة عمان).

 

الجواب: إنّ حلّ مشكلة ما يعرف بالأخطاء النحوية في القرآن الكريم يحتاج لدراسة مطوّلة أبيّن هناك رأيي فيها، لكنّني سوف أكتب لكم على سبيل العجالة بعض ما يتصل بموضوع الأخطاء النحوية في القرآن الكريم. وأرجو أن تسنح لي الفرصة لاحقاً لدراسة هذا الأمر بالتفصيل أكثر، لهذا أكتفي هنا بإثارة بعض الأفكار للبحث والتداول، لا للاختيار والحسم.
تحدّثت الدراسات القرآنية عن بعض المشكلات النحوية في القرآن الكريم الموجود بين أيدينا اليوم، وأبرزها ثلاث آيات تمثل هذه التي سألتني عنها واحدة منها. والآيتان المتبقيتان هما: قوله تتعالى: (إنّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (المائدة: 69)، حيث يفترض أن تكون (والصابئين)، وقوله تعالى: (قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى) (طه: 63). وقد طرحت عدّة تصوّرات في حلحلة المشكلة الموجودة في هذه الآية الكريمة، أذكر أهمّها باختصار لضيق المجال، وأعرّج عليها وعلى ما يمكن بتصوّري أن يكون الجواب الأفضل لحلّ هذه القضية وأمثالها.
الجواب الأوّل: ما طرحه عدد من العلماء المسلمين من أن (والمقيمين الصلاة) جاءت عطفاً على (ما أنزل إليك) فيكون المقصود: المؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وبالمقيمين الصلاة، والمراد من الإيمان بـ (المقيمين الصلاة) هو الإيمان بالأنبياء، وقيل: بالملائكة، وقيل: بالأئمة، أي أنّ هؤلاء هم مقيمو الصلاة الذين يؤمن المؤمنون بهم، كما يؤمنون بما أنزل إليك. وبعضهم تبنّى هذا الكلام، لكن فسّر الإيمان بـ (المقيمين الصلاة) بأنّه الإيمان بإقامة الصلاة نفسها.
وهذا الجواب في تقديري منسجم مع نفسه، من حيث ربط جملة (والمقيمين الصلاة) ربطاً متصلاً بالجملة التي سبقتها، أي (بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك)، لكنّ المشكلة أنّها لا توضح لنا ما معنى الجملة اللاحقة عليها، وهي: (والمؤتون الزكاة)، إذ من المفترض حينئذٍ أن ترجع إلى قوله: (والراسخون) وكذلك (والمؤمنون)، ويكون خبر الجميع هو قوله تعالى: (أولئك سنؤتيهم..) فيما تكون جملة: (يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك) أشبه بالمعترضة أو صلةً لاسمٍ موصول مقدّر، والمعنى: والمؤمنون ـ وهم الذين يؤمنون بما أنزل إليك.. وكذلك المؤتون الزكاة و.. أولئك سيؤتيهم أجرهم، وعلى هذا التقدير سنشهد تكراراً لجملة المؤمنون، لأنه أدخلهم في المبتدأ بعد الراسخين، ثم كرّرهم مرّة أخرى بعد الذين يؤتون الزكاة، فالجملة من الناحية البلاغية مرتبكة، لهذا يبدو لي هذا التفسير غير موفق، إلا إذا افترضنا ـ كما سيأتي ـ أنّ الآية فيها جملتان ثانيتهما خبرها (أولئك)، فيما الأولى خبرها (يؤمنون).
أضف إلى ذلك أنّ هذا التفسير المتداول في مصادر المسلمين لا يبيّن لنا مبرّر تخصيص وصف (المقيمين الصلاة) بالأنبياء أو الملائكة أو الأئمة، مع أنّ هذه الصفة عامّة تشمل غيرهم أيضاً، ولا يبدو واضحاً أنّ هناك شيئاً في عالم الإيمان العقائدي عندنا اسمه الإيمان بالمصلّين، فما لم يكن هناك دليل من الحديث الصحيح المعتبر على هذا الأمر فسوف يكون تخصيص هذا الوصف مجرّد فرض لا شاهد عليه في الآية الكريمة.
الجواب الثاني: ما ذكره بعض العلماء المسلمين أيضاً، من أنّ جملة: (المقيمين الصلاة) معطوفة على المجرور في (منهم) التي جاءت بعد الراسخين، فيكون المعنى: لكن الراسخون في العلم منهم ومن المقيمين الصلاة.
وهذا التفسير ناقشوه بأنّه لا يجوز في لغة العرب عطف الظاهر على المكنّى؛ لأنّنا هنا نعطف كلمة المقيمين التي هي اسمٌ ظاهر على ضمير (هم) الموجود في كلمة (منهم)، وهو غير مقبول لغويّاً.
وبصرف النظر عن هذه المناقشة، ربما يقال: إنّ هذا التفسير يزيد الآية ارتباكاً؛ لأنّ المفروض أنّ المقصود بالضمير في (منهم) هو أهل الكتاب أو الذين هادوا، كما يبدو من الآيات السابقة، فسيصبح المعنى هكذا: لكن الراسخون في العلم من الذين هادوا والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والراسخون في العلم من المقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة.. أولئك سنؤتيهم أجراً.. فهذا الفصل بين جملتي الراسخين بجملة المؤمنون يعطي الآية ارتباكاً مخلاً بالبلاغة القرآنية بشكل واضح.
الجواب الثالث: وهو الجواب الأكثر شهرة في الإطار الإسلامي، وهو يقول بأنّ نصب (المقيمين) جاء على المدح، والهدف منه بيان فضيلة الصلاة، مثل قوله تعالى: (ليس البرّ أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البرّ من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) (البقرة: 177)، فقد عطف (الصابرين) على المرفوع قبلها، والعلّة هي مدح الصابرين، وهذا نهج جائز في اللغة العربية. وإذا سأل شخصٌ: ما هو مبرّر هذا النصب على المدح؟ يمكن أن نجيبه بأنّه طول الفصل بين الراسخين، بجملة: (والمؤمنون… من قبلك)، فهذا ما برّر النصب على المدح.
وقد سجّل الناقدون على هذا الجواب ملاحظةً لغوية مفادها: إنّ النصب على المدح نتيجة الفاصل الطويل لابد أن يكون بعد تمام خبر (الراسخون..)، مع أنّ المفروض أن الخبر هو (أولئك سنؤتيهم أجراً..)؛ فلا يجوز النصب على المدح في لغة العرب حينئذٍ.
وأجاب الفريق المناصر لهذا التخريج بأنّ الخبر قد جاء وتمّ، فخبر الراسخون هو (يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك)، إذاً فلا مشكلة لغوية في التخريج الذي قلناه.
الجواب الرابع: أن تكون الجملة معطوفة على الكاف من قبلك، أي: بما أنزل من قبلك، ومن قبل المقيمين الصلاة.
وهذا الجواب لا معنى له؛ إذ ما معنى: من قبل المقيمين الصلاة؟ أي من قبل كلّ الأنبياء والأوصياء، أي قبل خلق العالم البشري، فأيّ معنى لهذا الكلام وأيّ شاهد عليه؟! يضاف إلى ذلك أنّه لا يجوز عطف الظاهر على ضمير من دون إعادة ذكر عامل الجرّ عند بعض اللغويين.
الجواب الخامس: ما ذكره بعض العلماء من أنّ هناك قراءة أخرى لهذه الآية تنسب إلى مصحف وقراءة كلّ من: ابن مسعود، (وأبي علي قول)، والحسن، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وعيسى الثقفي، ومالك بن دينار، والجحدري، وهي قراءةٌ بالرفع وليس بالنصب، فنـأخذ بتلك القراءة، وتحلّ المشكلة.
الجواب السادس: ما نسب في الرواية إلى عائشة زوج النبي ، وأبان بن عثمان، وتحدّث به المستشرقون، وهو وجود خطأ من الكتّاب في هذه الآية وحقّها أن تكون بالرفع.
وقد سجّلت مناقشات على أكثر هذه التخريجات، لاسيما ما جاء عند الطبري في جامع البيان والقرطبي في جامع أحكام القرآن، وغيرهما.
والذي يبدو من وجهة نظري الأوّلية المتواضعة، هو أنّنا إذا أردنا أن ندرس هذا النوع من الآيات، نجد أنفسنا أمام نهجين:
الأول: أن نقدّم جواباً يثبت عدم وجود خطأ أو تحريف ممنوع حصل في القرآن الكريم، سواء استطعنا حلّ اللغز اللغوي أم لا.
الثاني: أن نقدّم جواباً نحلّ به هذا اللغز اللغوي الموجود في الآية الكريمة.
ومن الطبيعي أن النهج الثاني متقدّم على الأوّل؛ لأنه لو وفّق في جهوده فلن يتمكّن فقط من إثبات عدم التحريف رغم وجود هذه الآيات، بل سيقدر على تقديم حلّ تفصيلي للمشكلة المفترضة، يلغيها من الأساس.
والذي يبدو لي أنّ الأجوبة الأربعة الأولى التي قدّمها التراث الإسلامي كانت تمارس النهج الثاني، وبإمكان علماء اللغة مناقشة هذه الأجوبة أو ملاحظة هل هي مناسبة أم لا؟ وربما يقال بأنّها غير قويّة، لا أقلّ من حيث لا دليل عليها، أو لوجود ثقل في استمزاجها بحسب اللسان العربي، وإنّما انطلقت من منطلق عدم وجود تحريف في القرآن؛ فأرادت أن تبرّر هذه الظواهر، ولذلك لن تكون مثل هذه الأجوبة مقنعة لمثل المستشرق الذي لا يحمل أيديولوجية مسبقة تؤمن بالنص القرآني. وقد يقال في المقابل: إنّها قوية، وأنّ لغة العرب مفتوحة على إمكانات كبيرة جدّاً مثل هذه، والأقوى من بين هذه التخريجات هو تخريج النصب على المدح مع جعل الآية عبارة عن جملتين تتألف كلّ واحدة منهما من مبتدأ وخبر، كما ألمحنا إليه آنفاً.
وبربط هذه الآية الكريمة بموضوع الخطأ في القرآن، أعتقد ـ وبصرف النظر عن التخريج اللغوي الأفضل ـ أنّه يمكن حلّه عبر ما يلي:
1 ـ نحن هنا لا نتحدّث عن الخطأ في كتابة القرآن، فهذا أمر قطعي عند كثير من العلماء المسلمين، وقد ذكر السيد الخوئي أنّه كثر الغلط في الكتابة في القرآن الكريم، بل بلغ بعض العلماء بها حدّ خمسمائة غلط كتابي في القرآن، وهذا أمر واضح يفترض أن يعلمه الدارس لعلوم القرآن الكريم. إذن، فنحن لا نبحث في السبب الذي أدى إلى كتابة الكلمة خطأ، بل إلى النطق بها منصوبةً، نطقاً تواتر جيلاً بعد جيل بين المسلمين، فإذا تبيّن أنّ هذا النطق غير النطق الصحيح الذي نزل على نبينا محمد.. وقع التحريف في القرآن بهذا القدر، وهذه نقطة بالغة الأهمية، وهذا هو ما يبرّر أخطاء الكتابة في القرآن وسكوتهم عنها، فإنّ العرب أمّة شفوية؛ لهذا قد تكون الكتابة خاطئة لكنهم ينطقون بما هو الصحيح؛ لأنهم ليسوا أمة قارئة وكاتبة وإنما حافظة وشفوية، وهذه قضية بالغة الأهمية في دراسة ظواهر التدوين والتعامل مع النصوص عند قدماء العرب قبل الفتوحات الإسلامية، أترك تفصيلها إلى فرصة أخرى.
فإذا كان من يقول بوقوع الخطأ في القرآن ـ ومع الأسف لم يكن معي الوقت لمراجعة كلامه ـ يقصد أنّ النطق بهذه الآية هو بالرفع وأنّ الخطأ كتابي، وله دليل على ذلك من اللغة العربية، فهذا ليس بالأمر الغريب أو المستهجن؛ فكلّهم يقولون بوقوع أخطاء في القرآن كتابياً، لكن المهم هنا أن يُثبت لنا ذلك، أمّا إذا قصد أنهم ـ ولو بعضهم ـ كانوا ينطقون بها منصوبةً وهو نطق خاطئ، ووصل إلينا النطق الخاطئ ولم يصل النطق الصحيح، فهنا يكمن محلّ البحث، وهذا ما لا نوافقه عليه طبقاً لما سيأتي قريباً بإذن الله.
جيّد، سنفترض أنه وقع خطأ في نقل النص القرآني هنا فنسأل: متى وقع هذا الخطأ وما هو مبرّره؟ يفترض ـ زمنياً ـ تصوّر حالتين لوقوع هذا الخطأ:
أ ـ أن يكون حصل في عهد الخليفة الأول أبي بكر.
ب ـ أن يكون حصل في عهد عثمان الخليفة الثالث، بسبّب تبني كتابة موحّدة للمصاحف ثم انتشرت هذه الكتابة الخاطئة، وأدّت إلى قراءة خاطئة بسبب رواج اعتماد المكتوب في النطق في العصور اللاحقة، مثل عصرنا اليوم، لضعف اللغة العربية وقلّة العرب الأقحاح.
إذا افترضنا أنّ الخطأ حصل في العهد الأول، فنسأل: كيف يمكن أن يتلو شخصٌ وأشخاص هذه الآية بطريقة خاطئة ـ حتى عربياً ـ ولا يعترض أحدٌ إطلاقاً بل وهم الأعرف باللغة العربية؟ فلماذا حصل هذا الخطأ منهم مع أنّهم عرب أقحاح لم يختلطوا بعدُ بالأقوام والشعوب الأخرى؟ هل هذا متصوّر أم لا؟ سأفترض جدلاً أنّ شخصاً نطق بالآية خطأ، هل من المتوقّع أن يتكرّر هذا الخطأ الذي هو على خلاف اللغة العربية من الآخرين؟ كيف حصل أن استقرّت الصيغة الخاطئة في وسطٍ لغتُه الأم وكلامُه اليومي هو اللغة الصحيحة؟
الفرضية الأقرب حينئذٍ هو تعمّد التحريف من طرفهم ووجود مؤامرة تعلّقت بهذه الآية الكريمة، فإذا تبنّى باحثٌ ما فكرة المؤامرة الواسعة ضدّ النص القرآني من جانب الصحابة أو بعضهم أو السلطة آنذاك وقَبِلَ بحذف عشرات بل مئات بل آلاف الآيات عمداً، فقد لا يوجد أمامه سبيل لنفي التحريف عن هذه الآية حينئذٍ، أمّا إذا كنا نقول بصيانة القرآن عن التحريف بهذا النطاق الواسع، ومع ذلك نفترض أنّهم حرّفوا هذه الآية فنسأل: ما هي المصلحة المترقبة من تحريفها بهذه الطريقة؟ إنّ فرضية وجود مصلحة في تغيير هذه الكلمة حتى نتّهم الصحابة أو السلطة آنذاك.. فرضية بعيدة جداً مهما كان الموقف من الصحابة؛ إذ لا نعثر على مصلحة واضحة في هذا المضمار، وتأويل كلمة (المقيمين الصلاة) بأهل البيت لو كان هو المشكلة لكان المفترض أن يحذفوا الكثير من هذه العناوين الموجودة في القرآن الكريم، ومجرّد احتمال المصلحة احتمالاً صرفاً لا يفيد في مثل موضوعنا هذا. من هنا، نستبعد حصول هذا الخطأ في العهد الأوّل للجمع؛ بل من حياة النبي إلى زمان عثمان بن عفان، فنبقى مع احتمال حصوله في العهد الثاني، أي عهد عثمان، وهنا نقول:
أولاً: لماذا لم يعارض الإمام علي وكذلك أهل البيت من بعده، ولم يبيّنوا حصول هذا الخطأ أو التحريف ولو للمقرّبين من الشيعة؟ وهم المكلّفون بهذا الدين والحافظون له والذابّون عنه، فلم أعثر على رواية من أهل البيت تنتقد ما هو الموجود في هذه الآية الكريمة، ولماذا لم يستغلّ هذا الأمر الذين ثاروا على عثمان ليهدفوا التشكيك في خلافته وحفظه للقرآن وأنّه لم يكن بالمستوى المطلوب في مواجهة تحريفٍ متعمّد أو غير متعمّد للنص القرآني؟ لاسيما وأنّه قيل بأنهم استغلّوا بعض الملاحظات على النصّ المكتوب للقرآن من طرف عثمان والذي أرسل إلى الأمصار، لكن هذه الآية لم نسمع عنها شيئاً منهم!! وهذا الجواب قائم على الاقتناع المسبق بأنّ أهل البيت لم يؤكّدوا حصول التحريف الكبير في القرآن الكريم.
ثانياً: لماذا لم تسجّل ملاحظات من قبل الصحابة أو القرّاء في الأمصار التي أرسلت إليها مصاحف عثمان، على النسخة التي وصلتهم في خصوص هذه الآية؛ أو بعبارة أدقّ: لماذا قرؤوا كلّهم صيغة النصب ولم نسمع سوى بعضٍ قليل كانت لديه في مصحفه أو قراءته صيغةُ الرفع، وهو كلام لا يعلم مدى صحّته أساساً؛ لعدم وجود دليل تاريخ يثبت أنّ مصحف ابن مسعود مثلاً احتوى صيغة الرفع؟ إنّنا لم نسمع تعليقاً في هذه الآيات، سوى رواية منقولة عن أمّ المؤمنين عائشة، علماً أنّ بعض المرويّات التي علّقت على وجود بعض اللحن في القرآن الكريم أشارت إلى أنّ العرب سوف تقوّم هذا القرآن بألسنتها؛ فلماذا لم يحصل هذا التقويم في موضعٍ واضح جداً مثل ما نحن فيه؟ إنّ معنى هذا كلّه، أنّه إذا لم يثبت وجود قراءة أخرى يأتي هذا الكلام، وإذا ثبت وجود قراءة أخرى فيأتي ما أعلّق لكم به عليه قريباً.
2 ـ دعونا نوجّه سؤالاً أساسياً هنا: كيف عرفنا أن نصب هذه الجملة هو خطأ؟
الجواب: إنّنا اعتمدنا على قواعد اللغة العربية التي ندرسها منذ مئات السنين، وهي تقول لنا بالتأكيد: إنّ نصب (المقيمين) هنا ليس صحيحاً، بعد افتراض بطلان كلّ التبريرات السالفة مثل النصب على المدح وغير ذلك. وهنا نسأل مرّةً أخرى: كيف عرفنا أن في اللغة العربية مثل هذه القواعد التي تدلّنا على بطلان صيغة النصب هنا؟ الجواب: إنّ قواعد اللغة العربية التي ندرسها اليوم ظهرت بعد القرن الهجري الأوّل، ومرجع تحديدها عدّة أمور أساسية يعرفها من يدرس مصادر اللغة القديمة، بلا فرق بين النحو والصرف والبلاغة و.. وهي: أ ـ الشعر العربي الجاهلي. ب ـ الشعر العربي قبل العصر الأموي والأفضل أن يكون قبل الفتوحات. ج ـ كلام أهل البادية البعيدين عن الحواضر التي تأثرت بالفتوحات واختلاط الشعوب العربية بغيرها. د ـ القرآن الكريم نفسه. هـ ـ التلقي العفوي للغة جيلاً بعد جيل في الوسط العربي شرطَ عدم احتمال حصول تغيّر.
وهذا معناه أنّني إذا أردت أن أعرف أنّ المبتدأ ترفعه العرب أم لا؟ أرجع إلى واحدةٍ من هذه المصادر الأساسية، فإذا رأيت أنّ شعراً جاهلياً نصب المبتدأ قلت: إنّ نصب المبتدأ جائزٌ قليلاً في حالة كذا وكذا، وهذا معناه أنّ قواعد اللغة العربية متفرّعة ـ في البتّ النهائي لها ـ على بنية النص القرآني الموجود بين أيدينا، فكيف نجعلها حَكَماً يُنتقد على أساسه النص القرآني نفسه؟! لاسيما مع انفتاح قواعد اللغة العربية على ظاهرة الاستثناءات، حتى أنّهم استثنوا من قاعدة عدم جواز الابتداء بالنكرة أكثر من ثلاثين حالة على ما أذكر. فهذا يعني أنّ وجود مورد واحد في القرآن ينصب فيما اعتدنا أن نجده رفعاً دليلٌ على جواز النصب ولو نادراً، والاستثناءات النادرة للغة ولقواعدها ظاهرة واسعة في علوم اللغة العربية، لاسيما وأنّ النص القرآني من بين سائر مصادر الاجتهاد في اللغة العربية يمتاز باليقينية ولو النسبية، فالشعر الجاهلي كثيرٌ منه لم يثبت صحّة أنّه يرجع تاريخياً إلى العصر الجاهلي، وكلام أهل البادية ثمّة من يتحدّث عن أنّه مرجعية لا تحكم على القرآن دوماً؛ لأنّ لغة أهل البادية تختلف بعض الشيء عن لغة قريش التي نزل بها القرآن في غالبه على الأقلّ، فمنهجة المحاكمة هنا فيها بعض الخلل.
وإذا قلت لي: لماذا لم نجد شعراً جاهليّاً يستخدم مثل هذه الآية؟ فالجواب: أكثر الاستثناءات يكون عليها دليلٌ واحد، على أنّ النصب على المدح متعارفٌ في لغة العرب.
3 ـ لنفرض شخصاً يقول بحصول الخطأ في هذه الآية، اعتماداً على اللغة العربية أو على غيرها، واختلفنا معه في تقييمه، فماذا يعني ذلك؟ إنّه يعني أنّه يعتقد بأنّ المسلمين الأوائل قرؤوا الآية بالرفع، وأنّه في فترةٍ ما شاعت صيغة النصب الخاطئة، فنرجع إلى الصيغة الصحيحة، وهذا يؤكّد لنا أنّه يعترف بالعطف أو الاستئناف، غايته يضع مكان الياء في (المقيمين) واواً، فالاختلاف في حرف واحد. إذن، ما الفرق بينه وبين من يقول: إن الآية نصبت على المدح مثلاً؟
الجواب: الاتحاد في أصل المعنى ـ بصرف النظر عن تقديرَي العطف أو الاستئناف ـ لأنّ الذي يقول بالنصب على المدح يعترف بذلك أيضاً، غايته يضع الياء كما هي الآن ولا يريد أن يضع مكانها واواً.
ولو سألنا أنفسنا: هل هذا تحريفٌ للقرآن لا يجيزه المسلمون؟ كان الجواب: لا أظنّ ذلك؛ لأنّ هذا لا يزيد عن القراءات القرآنية التي لا شك في تعدّدها، فما الفرق بين (المقيمين) و (المقيمون) من جهة وبين (لمستم النساء) و(لامستم النساء) من جهة ثانية؟ إذا كان تغيير حرف ـ حذفاً أو زيادةً ـ تحريفاً ممنوعاً، لوقع النص القرآني في كارثة، فعندنا قراءات لا تحصى تختلف بالحروف زيادةً ونقيصة أو إبدال حرف مكان حرف، فهذه سورة الفاتحة فيها خلافات معروفة: (ملك يوم الدين، ومالك يوم الدين)، وكذلك (الصراط، والسراط، والزراط)، وهناك قراءة معروفة تقول: (صراط من أنعمت عليهم)، وأنا هنا أتكلم عن القراءات وليس عن غلط الكتابة الذي هو واضح جداً. فبين (يطهرن) و (يطهّرن) زيادة حرف ونقيصته، وفي قوله تعالى: (.. موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده) هناك قراءة معروفة تقول: (ثم أخذتم)، وفي قوله تعالى: (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله..)، هناك قراءة تقول: (لا يعبدون) بالياء، وفي قوله تعالى: (أسارى تفادوهم) جاءت قراءة: (أسرى تفدوهم) بغير ألف فيهما، وقراءة أخرى: (أسارى تفدوهم)، وفي قوله تعالى: (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً) جاءت قراءة معروفة: (يضعّفها) بالتشديد لا بالألف، والأمثلة على ذلك في القراءات لا تعدّ ولا تحصى.
فهل هذا الكلام أشدّ أم ما ذهب إليه السيد الخوئي والمحقّق الخراساني صاحب الكفاية وغيرهما من أنّ القراءات غير متواترة، بل هي أخبار آحاد؟! حتى أنّ السيد الخوئي بحث في القراءات وتوصّل إلى أنّ حفصاً الذي يروي عن عاصم، وهي القراءة الأشهر في المشرق الإسلامي اليوم، في توثيقه نظر، وقال: حتى على نظرية حجية خبر الواحد فإنّ هذه القراءات بعضها مشكل، والكلّ يعرف أن القراءات تختلف بزيادة حرف ونقيصته وبالحركات والنقط وبالتقديم والتأخير وغيرها، وقد ألّف في القراءات موسوعة معروفة لا يحضرني الآن عدد مجلّداتها، لكنها فيما أذكر لا تقلّ عن ستة أجزاء، فقط تبيّن مواضع اختلاف القراءات.
أقترح على الذي لديه موقف لغوي في هذه الآية أن يستبدل كلمة (خطأ نحوي قرآني) أو ما شابهها بكلمة (خطأ في قراءة النصب)، لصالح قراءة الرفع الموجودة عند بعض القرّاء، إذا ثبت لديه وجودها، وتكون دراسته اللغوية بمثابة الدليل على ترجيح قراءة على قراءة، وهذا لا ضير فيه، فإنّ الشيخ الطبرسي في (مجمع البيان) لديه في كلّ مجموعة آيات بحث اسمه (القراءة) يستعرض فيه القراءات في كلّ الآيات، ثم لديه بحث لاحق على بحث القراءة تحت عنوان (الحجّة)، ويذكر فيه الأدلّة التي ترجّح قراءة على أخرى عنده.
هذه مداخلة مستعجلة في الموضوع ممّا خطر ببالي، وتحقيقه النهائي يحتاج لفرصة أخرى، نسأل الله أن تتوفر لنا بحوله وقوّته.

إرسال

you should login to send comment link

جديد الأسئلة والأجوبة
  • تأليف الكتب وإلقاء المحاضرات بين الكمّ والنوعيّة والجودة
  • مع حوادث قتل المحارم اليوم كيف نفسّر النصوص المفتخرة بقتل المسلمين الأوائل لأقربائهم؟!
  • استفهامات في مسألة عدم كون تقليد الأعلم مسألة تقليديّة
  • كيف يمكن أداء المتابعة في الصلوات الجهرية حفاظاً على حرمة الجماعات؟
  • هل يمكن للفتاة العقد على خطيبها دون إذن أهلها خوفاً من الحرام؟
  • كيف يتعامل من ينكر حجيّة الظنّ في الدين مع ظهورات الكتاب والسنّة؟!
  • هل دعاء رفع المصاحف على الرؤوس في ليلة القدر صحيحٌ وثابت أو لا؟
الأرشيف
أرسل السؤال
الاشتراك في الموقع

كافة الحقوق محفوظة لصاحب الموقع ولا يجوز الاستفادة من المحتويات إلا مع ذكر المصدر
جميع عدد الزيارات : 36609399       عدد زيارات اليوم : 10903