السؤال: هل يوجد فعلاً من غير الشيعة، من السنّة وأديان أخَر من يهتمّ بالشعائر الحسينيّة؟ وما هو الميزان في موضوع الشعائر أنّ فلاناً عنده إفراط أو تفريط؟ وهل يعتبر بكاء النبي يعقوب عليه السلام على النبي يوسف عليه السلام من مصاديق الجزع؟ وهل قول: (لأبكينّ عليك بدل الدموع دماً)، يدلّ على جواز التطبير وأمثاله؟ وهل يمكن أن تكون الزهراء عليها السلام قد أزعجت أهل المدينة بكاءً على أبيها؟ وأليس الجزع حالة عفوية لايكون الإنسان في وعيه الكامل حينها وتكون خاليةً من القصد؟ وقد لا يكون اللطم محرّماً ولكنّه غير مستساغ عند غير الشيعة، بل عند بعض الشيعة أيضاً، ألا يوجب ذلك تغيير الحكم؟ (نبيل، العراق).
الجواب: أولاً: لا علم لي بوجود غير الشيعة ممّن يهتم بهذه الشعائر، ولكن ليس من البعيد وجود بعض السنّة من التيارات الصوفيّة.
ثانياً: إنّ الميزان في الإفراط والتفريط هو الاحتكام إلى الدليل الشرعي والعقلي بعناوينهما الأولية والثانوية، وحساب المصالح والمفاسد، وليس هناك ميزان نهائي وحاسم، وإنّما هي اجتهادات تخضع للنسبيّة كلٌّ حسب ما يرى الأمر.
ثالثاً: لا يعتبر بكاء يعقوب جزعاً في حدّ نفسه ما لم يدلّ شاهد على ذلك؛ لأنّ الجزع هو ضدّ الصبر، ولا يمكننا أن نجزم بحصول هذه الحالة ليعقوب؛ لأنها تتبع الوضع القلبي الذي يظهر في الجوارح، ومن ثم فقد يكون يعقوب باكياً بهذه الدرجة دون جزع، تماماً مثلنا نحن حيث نبكي كثيراً دون أن يلازم ذلك حصول الجزع، وإن كان الظاهر قرينة على الباطن.
رابعاً: إنّ التعبير الوارد في الرواية عن الإمام المهدي عليه السلام، لا ربط له بقضايا التطبير، فإنّ هذه التفاسير ذات عجمة واضحة، لا يفهمها العربي بهذه الطريقة، إذ هذه الجملة تعني المبالغة في الحزن، لا الجزع ولا تطبير الرؤوس وأمثال ذلك، تماماً كما يعبّر المثكول والحزين والمتحرّق الوجدان والقلب، فلا أفهم منها ـ وفقاً للبلاغة والدلالات العربية ـ غير هذا، وإلا لزم من المستدلّ هنا أن يفتي بجواز ـ بل برجحان ـ جرح العين! وأن يُعْمِي كلُّ واحد نفسَه في عاشوراء!
خامساً: إنّ رواية بكاء الزهراء ـ على تقدير صحّتها وثبوتها تاريخيّاً ـ يمكن تفسيرها بأنّ بكاءها بهذه الطريقة كان جزءاً من مشروع إيقاظي لمسلمي المدينة المنوّرة لتحريك ضمائرهم وإلا فمن دون مثل هذا الافتراض سيغدو التبرير صعباً.
سادساً: الجزع حالةٌ قلبية قد تظهر على الجوارح، ولهذا لا معنى للجزع في الجوارح إذا كان القلب في غير حالة الجزع؛ فإذا ضرب الإنسان رأسه بالسيف مثلاً دون أن يكون قلبه في حالة انهيار عاطفي، بل لمجرّد الأداء الاستعراضي مثلاً، فهذا ليس جزعاً، بل صورة جزع ظاهريّة؛ لأنّ الجزع من مقولات القلوب. نعم قد يقول فقيهٌ بأنّه إذا جاز الجزع واستحبّ فإنّ إظهار ما يوحي بالجزع يكون مثله بوحدة المناط، فإذا أحرزت الوحدة فلا بأس وإلا فيصعب التعميم.
سابعاً: إنّ كون التطبير أو اللطم العنيف غير مستساغ عند الناس، لا يضرّ بجوازه ولا باستحبابه لو ثبت؛ فإنّ عدم كونه مستساغاً لا يغيّر من أحكام الله شيئاً، ما لم يبلغ رتبة تحقّق عنوان ثانوي بشكل يقيني ومحرز يفرض المنع.