السؤال: جاء في الحديث أنّ الرسول أخذ بيد علي فرفعها مع يده، ثم قال: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله، ألا وإنّي فرطكم وأنتم واردون عليّ الحوض، حوضي غداً وهو حوض عرضه ما بين بصرى وصنعاء، فيه أقداح من فضة عدد نجوم السماء، ألا وإني سائلكم غداً ماذا صنعتم فيما أشهدت الله به عليكم في يومكم هذا إذا وردتم عليّ حوضي، وماذا صنعتم بالثقلين من بعدي فانظروا كيف تكونون خلفتموني فيهما حين تلقوني؟ قالوا: وما هذان الثقلان يا رسول الله؟ قال: أما الثقل الأكبر فكتاب الله عز وجل، سبب ممدود من الله ومني في أيديكم، طرفه بيد الله والطرف الآخر بأيديكم، فيه علم ما مضى وما بقي إلى أن تقوم الساعة، وأما الثقل الأصغر فهو حليف القرآن، وهو علي بن أبي طالب وعترته، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض. السؤال: لقد جاء في هذا الحديث النصّ التالي: (اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه)، وهذا دعاء، ودعاء الرسول مستجاب، لكن نلاحظ ـ من خلال السير التاريخي لسيرة الإمام علي عليه السلام ـ خلاف ذلك، فما هو تعليقكم؟ (أحمد أبو علي).
الجواب: أولاً: مثل هذه الأدعية والوعود موجود في القرآن الكريم أيضاً، قال تعالى: (… وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج: 40)، وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمّد: 7)، وقال سبحانه: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين) (غافر: 60)، وقال عزّ وجل: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) (غافر: 51) وغير ذلك. مع أنّ بعض رسله قد قتلوا قال تعالى: (الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (آل عمران: 183)، وقد كانت للعلماء تفسيرات هنا وتأويلات لا مجال للإطالة فيها، وإنّما كنت أقصد أنّ مثل هذه الإشكاليّة موجود في النصّ القرآني أيضاً، فلا تفضي في حديث الغدير إلى تضعيفه، فالجواب هناك يمكن أن يكون جواباً هنا.
ثانياً: إنّ حديث الغدير يفيد نصر الله لمن ينصر عليّاً، وخذلانه لمن يخذله، وولايته لمن يواليه، ومعاداته لمن يعاديه، ولكنّه لا يفيد تعيين زمان النصرة ولا اختصاصه دائماً بالدنيا أو في نفس حياة أمير المؤمنين عليه السلام، فهناك نصرة في الآخرة أيضاً (والتي هي معيار النصرة والهزيمة الحقيقيّة في الثقافة الدينية) كما تقدّم في الآية المباركة آنفاً من نصرة الله لرسله والمؤمنين يوم يقوم الأشهاد. وهناك أيضاً نصرة في آخر الزمان جاءت في الكثير من النصوص الدينية عند المذاهب كافّة. كما وليس في الحديث بيان لكيفيّة النصرة، فليس من الضروري أن تكون نصرة حرب، بل قد تكون بالانتقام منهم في الدنيا بابتلائهم بما يكرهون، أو في طريقة موتهم، أو في خصوصيّات حياتهم وغير ذلك. وبعبارة أخرى إنّ في الحديث أربعة مفاهيم: النصرة، الخذلان، الولاية، والمعاداة، أمّا الولاية والمعاداة فهي لا تلازم الانتصار الدنيوي دائماً، فالله على الدوام يوالي الصالحين في كلّ زمان ويعادي الكافرين ـ سواء دعا الرسول أم لم يدعُ ـ ومع ذلك لا نجد انتصار الإيمان على الكفر في كلّ زمان، أمّا مفهوم النصرة والخذلان فيمكن أن يكون دنيوياً ويمكن أن يكون أخرويّاً، والعبرة بالعاقبة، فقد يكون دنيويّاً بدولة الحقّ في آخر الزمان، وقد يكون دنيويّاً عبر انتقام شخصي لهذا المعادي أو ذاك ولهذا المتخاذل أو ذاك في حياته، ويمكن أن يكون أخرويّاً كما هو واضح. علماً أنّ الحديث لا يقول بانّ الله سينصر عليّاً على أعدائه في حياة علي بن أبي طالب نفسه، بل يدعو لنصر من ينصر عليّاً، وخذلان من يخذله، ومن الممكن أن يكون ذلك شخصيّاً، ومن الممكن أن يكون عاماً.
ولعلّ ما يؤيّد تنوّع الأمر كما نقول، ما جاء في الحديث ـ بصرف النظر عن سنده ـ عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: (خطبنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إنّ قدّام منبركم هذا أربعة رهط من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، منهم: أنس بن مالك، والبراء بن عازب الأنصاري، والأشعث بن قيس الكندي، وخالد بن يزيد البجلّي، ثم أقبل بوجهه على أنس بن مالك، فقال: يا أنس، إن كنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، ثم لم تشهد لي اليوم بالولاية، فلا أماتك الله حتى يبتليك ببرص لا تغطّيه العمامة. وأما أنت يا أشعث، فإن كنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقول: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، ثم لم تشهد لي اليوم بالولاية، فلا أماتك الله حتى يذهب بكريمتيك. وأما أنت يا خالد بن يزيد، إن كنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، ثم لم تشهد لي اليوم بالولاية، فلا أماتك الله إلا ميتة جاهلية. وأما أنت يا براء بن عازب، إن كنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، ثم لم تشهد لي اليوم بالولاية، فلا أماتك الله إلا حيث هاجرت منه..) (الشيخ الصدوق، الأمالي: 184 ـ 185)، فكأنّ الإمام عليّاً يطبّق ـ والله العالم ـ ما جاء في دعاء الرسول صلى الله عليه وآله يوم غدير خمّ على هؤلاء الصحابة الأربعة، على تقدير عدم شهادتهم، بمثل هذه البلايا وألوان الانتقام الإلهي، فلا ضرورة لفهم الخذلان والمعاداة بمعنى النصرة في الحرب وحصول الولاية الفعلية لعليّ في حياته عليه السلام.
السلام عليكم …
باختصار شديد
ما الدليل على افضلية عيد الغدير على سائر الأعياد عند المسلمين، باعتبار ان جملة من المراجع يقولون بأفضليته على باقي الأعياد ؟
دمتم في حفظ الله ورعايته …