السؤال: كيف أقنع المادّي أنّ هناك شيئاً اسمه واجب الوجود، قبل خوض برهان الإمكان، بعبارة أخرى: كيف أثبت له أنّ الوجود تارة يجب للشيء، وأخرى لا يجب (ممكن)؟ إذ من الممكن أن يقول لي: ومن قال لك: إنّ هناك شيئاً يجب له الوجود؟ يخيّل لي أنّ هناك مصادرة في المقام، يعني لا يمكنني أن أقول له قبل البرهان: الموجود إما واجب أو ممكن. كما أنّ الممكن الذي عليه مدار البرهان إذا كان هو الممكن الخارجي (الواجب لغيره)، فكيف لي أن أبطل التسلسل، وأقول: لازمه عدم الوجود، والحال أنّ الذي أمامنا ممكن ثبت له الوجود؟ وهل يقتصر برهان الإمكان على إثبات وجود الواجب فحسب، أم بالإمكان إثبات بعض صفاته من خلال هذا البرهان؟ وكيف؟
الجواب: لعلّه حصل شيء من الالتباس في طريقة تقديم برهان الإمكان، فعندما أقول للآخر: الوجود إمّا واجب أو ممكن، فأنا لا أفرض وجود واجب الوجود مسبقاً عليه، بل آخذ الأمر بوصفه فرضيّات، فأقول: الوجود لا يخلو حاله بعد فرض تحقّقه (إمّا) أن يكون واجباً أو ممكناً، ولا توجد حالة ثالثة قابلة للتصوّر عقلاً، تماماً مثل قولي: زيد الذي رمى نفسه من على المبنى المرتفع إمّا ميت الآن أو حيّ، فأنا لا اُلزم أحداً بأنّه ميت، ولا اُلزمه بأنّه حيّ.
وهنا، نأتي إلى واقعنا الحاضر، فنرى أنّ الوجودات هذه ممكنة، وعندما نكتشف معنى الإمكان اكتشافاً جوهريّاً ونفهم أنّ الإمكان يستدعي عدم حصول الممكن على الوجود بلا علّة؛ لتساوي نسبته إلى الوجود والعدم، ولا ترجُّحَ إلا بمرجّح، في هذه الحال أذهب خلف مبرّر ترجّح الوجود الإمكاني المحيط بي، ففي الحقيقة أنا أقوم بعمليّة تشبه اكتشاف كوكبٍ مستتر عن الأنظار، فأقول: إنّ حركة الكواكب الظاهرة لي لا يمكن تفسيرها إلا من خلال فرض كوكب مستتر عن الأنظار، يلعب وجودُه دوراً في التأثير على قوانين الجاذبية بين الكواكب مثلاً، وهو الوحيد الذي يمكنه تفسير حركة الكواكب الظاهرة أمامي، فلا يمكن للآخر هنا أن يقول لي بأنّك تلزمني مسبقاً بوجود كوكب آخر، أو أن يقول لي بأنّني أجد حركة الكواكب بهذه الطريقة، فلا يصح منك أن تقول بضرورة وجود كوكب آخر، وإلا لما تحرّكت الكواكب بهذه الطريقة، فأنا ثبت لديّ تحركها وكفى..!! إنّ هذه الطريقة غير صحيحة في معالجة الموضوع. كما يظهر بالمثال الذي ذكرناه.
فكلّ ما يقوله برهان الإمكان ـ من وجهة نظر أصحابه ـ هو تقسيم الوجود تقسيماً عقليّاً فرضيّاً حاصراً إلى قسمين افتراضيّين، ثمّ البحث في الواقع الخارجي لنرى أنّ الوجود المتحقّق هو الوجود الممكن، ومن هنا ينطلقون في فهم الوجود الممكن من هويّته، ليذهبوا من خلاله لإثبات وجود الواجب، تماماً كما انطلق عالم الفلك من نمط حركة الكواكب الظاهرة أمامه، ليفسّرها وفقاً لافتراض حصري هو وجود كوكب مختفٍ عن أنظارنا، يقع خلف سلسلة الكواكب هذه مثلاً.
وأمّا إثبات الصفات، فإنّ غاية ما يثبته برهان الإمكان بصورته الكلاسيكيّة هو صفة الوجوب، ولكنّ هذه الصفة ليست شيئاً بسيطاً؛ إذ تستبطن نفي الحاجة، وهذا المفهوم يمكن أن يكون أساساً للعديد من الصفات الإلهيّة، أو يمكن أن يستبطن كثيراً من الصفات.
شيخنا العزيز، أشكرك على كرم الإجابة؛ ولكن لي تعليق متواضع على إجابتكم:
ليست كل الفروض مقبولة، فمثلا من كان تلميذا وفقد كتابه، ستكون فرضيات مظان وجود الكتاب هي: إمّا المدرسة، وإمّا الحافلة التي كان يستقلها مثلا قبل أن يأتي إلى البيت، هذه هي الفروض المقبولة، أمّا أنّه يفترض أنّ الكتاب إمّا في المدرسة أو في البيت الأبيض، فهذا لا يمكن، فالفرض الثاني فرض بعيد جدا جدا، ولا يمكن قبوله، بل ولا يحسن حتى بالعاقل افتراضه.
وكذا الحال في برهان الإمكان، فنحن أمام شخص لا يؤمن بشيء يجب له الوجود، بل الكل ممكن عنده، فعندما أقول له: “الموجود إمّا ممكن أو واجب” سأفرض له فرض لا يؤمن به، بل ومستبعد عنده تمام الاستبعاد، وسأكون معرضا لسخريته، كما سخر ذلك التلميذ ممّن قال له: “يحتمل أنّ كتابك المفقود في البيت الأبيض!” والحال أنّه لم يذهب لذلك المكان قط.
وشكراً
يفترض عند الحديث مع شخص ما لاقناعه حول موضوع ما هو اختيار الطريق الاقرب والاسهل وتجنب الخوض في امور يصعب فهمها او تكون بعيدة عن اصل الموضوع..
اما فيما يخص سؤال الاخ.. كان من الافضل التطرق الى نظرية الاثر والمؤثر لاثبات وجود الله ثم بيان بطلان نظرية الدور والتسلسل لاثبات وحدانيته تعالى.
قال الميرزا عبد الله الإحقاقي في كتابه النور المبين في فضائل المعصومين عليهم السلام ص51:
(..ومن الأدلة على فساد الفلسفة المذمومة
قولهم بوحدة الوجود،
وقولهم بقدم المشيئة
وقولهم وادعاؤهم بوجود شريك لله عزوجل في الأذهان-والعياذ بالله تعالى من ذلك-وعلى ذالك قسموا الموجودات إلى ثلاثة أقسام:
واجب الوجود وهو الله عزوجل،
وممكن الوجود وهو المخلوقات ماسوى الله عزوجل
وممتنع الوجود وهو شريك لله عزوجل موجود في الذهن والعياذ بالله وهذه كتب المنطق والفلسفة مشحونة بهذه الأقول والمعتقدات الفاسدة التي تدرس إلى الآن في الحوزات العلمية بيد أن مذهب أهل البيت عليهم السلام على طرفي النقيض من ذلك كله ومن المعتقدات الفاسدة
قولهم بقدم الماهيات…الخ).
جاء في كتاب مدخل إلى فلسفة الشيخ الأحسائي للمصنف الميرزا حسن فيوضات ص85:
✨تقسيم الوجود:
1⃣-الوجود الحق
(الذات البحت).
2⃣-الوجود المطلق
وهو الوجود الغير مقيد بشرط يتوقف عليه أو ينتظر به وليس المراد بالإطلاق(الصادق على الواجب والممكن)كما هو متعارف لدى الفلاسفة الذين سبقوه.
ويعبر عنه الشيخ الأحسائي بعبارات شتى، ومن جملتها:المشيئة،الإبداع،الرحمة الكلية،الكاف المستديرة على نفسها،النفس الرحماني الأولي،الإرادة،التعين الأول،الكلمة التي انزجر لها العمق الأكبر، الأزلية الثانية،الحقيقة،عالم الأمر…إلخ
3⃣-الوجود المقيد
?مدخل إلى فلسفة الشيخ الاحسائي ص٨٥