السؤال: سألني أحدهم سؤالاً لم أعرف جوابه، وهو عن سورة الفيل، حيث قال بأنّ الفيل لا يوجد في اليمن بل هو يعيش في المناطق الاستوائية ويحتاج إلى الماء الكثير والعشب. بل كيف عبر هذه المسافة الطويلة إلى مكّة؟ بالإضافة إلى أنّ غير المسلمين لم يذكروا هذه الحادثة؟ (محمّد منذر).
أ ـ إنّ مصادر المسلمين تقول بأنّ أبرهة حبشيٌّ، وبأنّ اليمن كانت تتبع الحبشة أو كانت على علاقة استراتيجيّة وتحالف قويّ معها، حيث كانت الحبشة تحت حكم النجاشي، جدّ النجاشي الذي عاش في عصر النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، وهذا معناه أنّه من الممكن ـ على أبعد تقدير ـ استقدام الفيل من الحبشة وبلاد إفريقيا إلى اليمن، وأنّه ليس بالأمر المستحيل بعد هذا التحالف أو التبعيّة أو الارتباط الاقتصادي والسياسي.
ب ـ إنّ الناقد تصوّر هنا أن جيش أبرهة كان من الفيلة، وهذا خطأ شائع، فلم تقل مصادر المسلمين المعروفة ذلك، كلّ ما في الكتب هو أنّ أبرهة سار بجيش كسائر الجيوش يتقدّمه ـ على اختلاف الروايات التاريخية ـ فيلٌ اسمه محمود، أو ثلاثة فيلة، أو سبعة، أو اثنا عشر فيلاً، فأكثر الروايات التاريخية المتداولة في كتب المسلمين تحكي عن اثني عشر فيلاً فقط، وقد أراد أبرهة بذلك جعل الفيل أو الفيلة المعدودة في مقدّمة الجيش في شكلٍ من أشكال ترويع العرب من جهة، وتمهيداً لتهديم الكعبة من جهة ثانية؛ لأنّ الفيل له هذه القدرة، فأيّ مانع من استقدام اثني عشر فيلاً فقط من بلاد إفريقيا إلى بلاد اليمن الخضراء ـ لا سيما في مناطقها الجبلية التي يتوفّر فيها هطول الأمطار بشكل أكبر ـ والتي فيها جنات عدن، والتي يختلف مناخ كثير من مناطقها مع مناخ الجزيرة العربية (وربما كان لذلك الدور المؤثر في كون اليمن حضارة عريقة في التاريخ)، والاهتمام بهذه الفيلة المعدودة وتوفير الماء والعشب لها، ثم السير بها تلك المسافة إلى مكّة مع وجود الماء والعشب المحمول لها مع الجيش في قسم الدعم اللوجستي لهذا الجيش؟ فهل هذه الفرضية فيها استحالةٌ أو غرابة؟! وهذا معناه أنّ تعبير السورة القرآنية بأصحاب الفيل تعبير دقيق، فالفيل هنا يمكن أن يكون استخدم لبيان المفرد (وربما استخدم لبيان الجنس)، أيّ أصحاب ذلك الفيل الذي تقدّم الجيش (وقيل بأنّ اسمه محمود) وفرض الرهبة والرعب في نفوس العرب الذين لم يألفوا وجود الفيل في مقدّمة الجيوش، وأريد به تهديم الكعبة، فنسب الجيش إلى الفيل لهذه الخصوصيّات حيث اعتبر أبرهة وجود هذا الفيل أو الفيلة المعدودة عنصر قوّة ورهبة وتفوّق، وربما لهذا لم يقل القرآن أصحاب الفيلة أو جيش الفيلة مثلاً.
ج ـ إنّ عدم ذكر غير المسلمين ـ والمسلمون هم العرب أهل تلك المناطق ـ لهذه الحادثة لا أجده يضرّ بصدقيّتها، فكم من أحداث وقعت في مشارق الأرض ومغاربها ولم يسجّلها المؤرّخون الذين ينتمون إلى بلدانٍ أخرى، وها هم المسلمون أنفسهم لم يسجّلوا في عصرهم الذهبي الكثير مما كتبه الغربيّون عن تاريخهم في أوروبا رغم كونهم (المسلمين) قد حكموا العالم لخمسة قرون تقريباً، فما دامت هذه القصّة مشهورة جدّاً في بلاد العرب حتى سمّي عام الفيل، وحدّدوا التواريخ وفقاً لهذا العام، ونزل بها قرآن دون أن ينتقده في ذلك العرب المعاصرون، وغير ذلك من القرائن، فما هو الموجب المنطقي للتشكيك فيها حينئذٍ أو لتكذيبها؟! وخلاصة القول هي أنّ مجمل ما ذكرتموه قد يصلح نقاشاً في بعض صيغ القصّة وتفاصيلها لا في أصل وقوعها.