السؤال: إذا كانت الحجّة هي البرهان لا صاحبه، فلم لا يجيز البعض تقليد الميت ابتداءً، خاصّة في المسائل غير المستحدثة؟ (مجاهد).
الجواب: قد يختلف الجواب عن سؤالكم تبعاً لتحديد مفهوم التقليد ومسألة رجوع الجاهل إلى العالم، فالنظريّة السائدة في الفقه حول التقليد تقول بأنّ السيرة العقلائيّة والشرع الحنيف يدعوان لرجوع الجاهل إلى العالم، ليعمل الجاهل على وفق ما يقوله العالم، سواء فهم الجاهل السبب أم لا، وسواء اقتنع به أم لا، تماماً كرجوعنا إلى الطبيب، وفي هذه الحال تكون الحجّة هي البرهان لكن بالنسبة للمجتهد فقط؛ لأنّ المقلّد حسب الفرض لا يرجع للمرجع ليأخذ منه البرهان فيقتنع بما قال، بل ليتّبعه فقط من موقع أنّه جاهلٌ بالحكم، وأنّ المعرفة تكون عند هذا العالم الذي لابدّ له من الرجوع إليه لتفريغ ذمّته من الأحكام الشرعيّة الإلهيّة الواقعيّة بعد عدم كونه مجتهداً ولا محتاطاً. أمّا إذا أخذنا بالنظرية غير السائدة والتي تقول بأنّ ما يحكم به الشرع والعقلاء هو رجوع الجاهل للعالم ليحصل له الاقتناع بقوله (أي بالدليل الشرعي على قوله)، لا لأجل مطلق اتّباعه له بلا اقتناع، فإنّ البرهان الذي يقدّمه العالم في هذه الحال يمكن أن يكون مؤثراً في حجيّة قول هذا العالم على هذا الجاهل، بحيث يوجب قناعته بالحكم الشرعي، وربما تأتي له القناعة بالحكم من غير البرهان ككثير من عوام الناس الذي يقتنعون بالحكم من موقع الثقة بالعالم نفسه. إذاً فبين المجتهدين وأهل الاختصاص يكون المعيار هو البرهان والدليل، أمّا في علاقة العالم بغيره من مقلِّديه فإنّ العلاقة هي علاقة الاتّباع (القائم على الاقتناع بأصل الاتّباع) وفق الفهم السائد لنظريّة التقليد، وهي علاقة الاقتناع وفق الفهم غير السائد، وعليه يقول العلماء بأنّ الدليل دلّ على اشتراط الحياة في مرجع التقليد، ومعه فلا قيمة للبرهان هنا من طرف العامي الذي يقلّد المرجع؛ لأنّ المعيار عنده هو الاقتناع بأصل التقليد، لا بما يُبنى أو يتفرّع على هذا الأصل، لكن لو قلنا بالنظرية غير السائدة فقد يقال بضرورة أن يقتنع العامي بلزوم تقليد الحيّ من المجتهدين فلو لم يقتنع أمكنه الأخذ بقول الميت الذي يرى تقليد الميّت ويرى العامي أنّ كلامه مقنع.