السؤال: هناك حديث اليوم عن نظرية الأرجحيات في الطبيعة، وأنّه لا شيء يقينيّ، خصوصاً بعد دخول الفيزياء الكمّية إلى ساحة الوجود، وقد كنت في مكان وتحدّث أحد الإخوة عن عدم وجود أشياء مؤكّدة ويقينية في الحياة، فانبرى آخر ليقول: إذاً، لا نحتاج إلى حساب وعقاب وفق هذه النظريّة مادام لا شيء مؤكّد. فقلت له: إنّ القرآن يقول: (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم)، فالعقاب للذي يعلم ويخالف، فردّ عليّ بأنّ هذه الآية تشير إلى الصراع بين العقل والهوى، والشيئان مودعان في الإنسان، فلماذا ترجّح هذا على ذاك. فما هو رأيكم وكيف يكون الحوار هنا؟ (كمال، من سلطنة عمان).
الجواب: إذا كان المقصود أنّه لا يوجد شيء مؤكّد إطلاقاً، بمعنى الشك المطلق أو بمعنى إنكار الواقع مطلقاً، فالسبيل الوحيد للحوار هو البحث الفلسفي المعرفي، وليس المعالجات القرآنية، وإذا كان منشأ ذلك هو مجرّد التحوّلات المدهشة في العلوم الطبيعية بشكل كبير ممّا يحدث اهتزازاً في النظريات السابقة، كما حصل مع نظريات كوبرنيكوس وأمثالها التي أطاحت بطبيعيات أرسطو وفلكيات بطلميوس، فهذه حالة نفسيّة يجب معالجتها بدراسة متأنّية. وأمّا الآية القرآنية التي أشرتم إليها فهي تثبت ما قلتموه أنتم، وهي لا تحكي عن قيمة يقينهم، وإنّما عن مخالفتهم ليقينهم بصرف النظر عن مدى قيمته الموضوعية. وإذا كان الفيلسوف أو السفسطائي لا يقين لديه هنا أو هناك، نتيجة التعقيدات العلميّة، فإنّ الإنسان العادي يعيش اليقين، ومن ثمّ فيمكن محاسبته عليه وفق قواعد العقل العملي، لا وفق الشريعة فقط.