السؤال: يفتي الفقهاء بجواز التورية ويحرّمون الكذب، أليس هذا تلاعباً، فكلّ كذاب يمكنه استعمال التورية للوصول إلى غرضه؟ (حسن فرحان، العراق).
الجواب: بالنسبة لي شخصيّاً فإنني أميل جداً للقول بحرمة التورية إلا عند الضرورة العرفية، خلافاً لمشهور الفقهاء. وهناك بعض الفقهاء المتقدمين ممّن كان له هذا الرأي، والمرجع الديني المعاصر السيد كاظم الحائري يفتي بأنّ التورية كالكذب (الحائري، الفتاوى المنتخبة: 298). وأحد الأدلّة على شمول الحرمة للتورية تارةً هو مقصد التحريم والغرض منه، وأخرى أنّه لو كانت التورية حلالاً فيما الكذب حرام، لما كان هناك معنى لتجويز الكذب في أيّ حالٍ من الحالات بما فيها إصلاح ذات البين أو إنقاذ شخص أو للضرورة؛ لأنّه لن يكون هناك ضرورة مجوّزة إلا نادراً جدّاً؛ لإمكانية استعمال التورية في هذا الوقت فينعدم مجال الاضطرار للكذب، فيكون ذلك كاشفاً عن أنّ الشرع لم يكن يرى التورية جائزةً، وإلا لما رخّص في الكذب للضرورة، بل لطالب باستعمال التورية في هذه الحال. هذا فضلاً عن نقاش في الهوية الموضوعية للكذب، وأنّه يشمل التورية أم لا يشملها. أمّا المجوّزون للتورية فيذهبون إلى أنّ الدليل دلّ على تحريم الكذب خاصّة، وهو مغايرٌ للتورية، فلا يشملها دليل التحريم، فتبقى على أصل البراءة والجواز، وهم يقولون بأنّنا لا ندرك المصالح والمفاسد بل نتّبع الدليل حيثما كان، ولهذا نفتي بحرمة هذا وجواز هذه انقياداً للنصوص الشرعيّة، لا تلاعباً بالدين ولا نقضاً لقيمه. وعلى أيّة حال، فيحسن بالمؤمنين الذين يجيزون التورية عملاً أن لا يحوّلوها إلى حياةٍ لهم، فيعمّ انعدام الثقة فيما بينهم، ويترك الأمر آثاراً سلبية نفسيّاً واجتماعيّاً، حتى بتنا نرى أحياناً إمكانية الثقة بغير المتديّن في هذا الجانب أكثر من بعض المتديّنين مع الأسف الشديد.