السؤال: إنّ جملة من الأحكام الفقهية يؤاخذ عليها المكلّف حتى لو كان الخطأ سهويّاً، كالخلل الحاصل في موارد الأجزاء الركنية للصلاة أو الترتيب المخصوص للغسل الواجب، أليس هذا تكليفاً حرجيّاً؟ وكيف يدّعى أن الدين يُسر وتكاليفه متوافقة مع الفطرة؟ فأين اليسر فيمن يوجب عليه الفقيه أن يعيد جميع صلوات عمره التي صلاها بغسل باطل؟ (عمّار الكعبي، العراق).
الجواب: أولاً: إنّ مؤاخذة الإنسان وتضمينه على أمرٍ قام به سهواً أو عن غير عمد شيء طبيعي في كلّ القوانين في العالم، فلو أتلفت مال غيرك من دون قصد فإنّ القانون يلزمك بالضمان ولو كان معك مال قليل أنت بحاجة إليه. ولو قتلت شخصاً من غير قصد وأنت تقود سيارتك منضبطاً لكنّك لم تره، فإنّ القانون يرتّب آثاراً ضمانية عليك. ولو نسيت دفع المال لصاحبه حتى جاء الوقت فرفع ضدّك دعوى فإنّ القضاء يجرّمك، إلى غير ذلك من عشرات القوانين التي يجتمع فيها الجهل والسهو والنسيان مع المؤاخذة القانونية الضمانية والوضعيّة. نعم لا تعاقَب مثلاً لكنّ الآثار تترتّب قانوناً. وما ذكرتموه أعلاه من هذا النوع، فهذا الشخص لا يعاقب لا في الدنيا ولا في الآخرة، لكنّه يضمن ويتحمّل مسؤوليّة الخطأ السهوي أو الجهلي الذي وقع فيه.
ثانياً: إنّ ما ذكرتموه من أمثلة ليس فيه عسر ولا حرج، فصحيح أنّ الفقه ـ على ما هو المشهور ـ يحمّل هذا الشخص مسؤوليّة قضاء صلواته مثلاً، لكنّه لا يلزمه بفعل ذلك بشكل ضاغط وحرجي، فالفقيه أيضاً يقول هنا بأنّ عليه القضاء، ولكن لا يجب عليه الإسراع فيه، وله ذلك إلى نهاية العمر، والمهم أن لا يكون متهاوناً، فلو قضى كلّ أسبوعٍ فرضاً واحداً كفاه حتى لو مات قبل أن يكمل ما عليه من القضاء، فأين الحرج في ذلك؟ إنّ الصورة العامّة للموضوع افترضناها ثقيلة على المكلّف، ونسينا أنّ الفقيه بنفسه لا يلزمنا بأكثر من الشروع بهذا الفرض خلال السنين القادمة، بحيث يكفي عدم صدق التهاون، فلا حرج في البَيْن أساساً.
ثالثاً: إنّ للفقهاء مذاهب في هذا الموضوع، أقصد أصل وجوب قضاء الصلاة وتفريعاته، حتى أنّ بعض الفقهاء من أهل السنّة يرى عدم وجوب قضاء ما تركه الإنسان عمداً ووجوب قضاء ما فاته من نوم ونحو ذلك، وهم ينطلقون في ذلك من أنّ ترك الصلاة عمداً كفر، فإذا عاد للصلاة وتاب فقد عاد للإسلام، والإسلام يجبّ ما قبله، وتفصيل هذه الآراء تراجع في الكتب الفقهية المبسوطة.