السؤال: ذكر بعض العلماء المعاصرين ـ في مقام الجواب عن سؤال يتعلّق بأنّه إذا كان المعصوم يعلم بالحادثة قبل وقوعها فهذا يبطل بعض الفضائل المنسوبة إليه، كما في مبيت الإمام علي عليه السلام في فراش النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أو في مشاركته واستماتته في المعارك التي خاضها.. وغير ذلك، فكيف يتمّ التوفيق بين علمه بعدم إصابته بسوء وبين عدّ تلك الأمور من الفضائل؟ ـ قال هذا العالم الجليل بأنّ علم الإمام بالحادثة قبل وقوعها ما هو إلا مؤشر على سموّ ورقي ورفعة شخصية الإمام من الناحية الروحية والمعنوية، وهذا ـ السمو والرقي والرفعة ـ يعني اختيار الإمام سابقاً للسلوك الأفضل والأقرب إلى الله من سخاء وكرم وشجاعة وعفّة.. وغير ذلك. وبعبارة أخرى: إننا لو حلّلنا (علم) المعصوم لوجدنا أنه حصل عليه تبعاً لما تضمّنت ذاته من (سموّ روحيّ)، وهذا الأخير يبتني في مرحلة سابقة على أنه لن يختار في أيّ واقعة قدّرت له إلا ما هو خير وفضيلة، سواء كان سخاء أو كرماً أو صبراً أو إقداماً على التضحية بنفسه في سبيل الإسلام أو غير ذلك، وبالتالي فإنّ علمه مدين لاختياره المسبَّق الذي يعلمه الله تعالى منه، وعندما تحين الواقعة ويختار ما هو الأفضل يكون اختياره هذا تطبيقاً لتلك الملكة الروحية السامية التي ولدت العلم وليس فرعاً للعلم ذاته. وهو نظير ما لو تجنّبت شرب سائل ما نتيجة لعلمك بأنه سام فهل يمكن أن يقال لك: لا فضيلة لك في عدم تعاطيك هذا المصداق من السمّ؛ لأنك كنت تعلم مسبقاً أنّه سام؟.. لا يمكن أن يقال لك ذلك؛ لأنّ نفس علمك هو عبارة عن تفحّصك السابق لأنواع السموم واجتهادك في عدم تعاطيها، وبالتالي فإنّ امتناعك في هذا المصداق كان تطبيقاً لإجتهادك المذكور الذي ولَّد العلم لديك، وكذلك علم المعصوم. يضاف إلى ذلك ـ ثانياً ـ أنّ المعصوم يعلم بعض الأحداث قبل وقوعها بنحو قابل للتغيير. لأنّ القضاء منه محتوم ومنه غير محتوم، ومن هنا نعرف أن علم المعصوم ليس جميعه على نمط واحد، فمنه ما لا يتغيّر ومنه ما يتغيّر، وليس لدينا اطّلاع على أنّ الأحداث التي تعدّ فضائل له مما لا يجري فيها التغيير حتى نطلق الحكم بأنّ علمه بها يمنع من عدّها فضائل له. ولو عدنا مثلاً إلى حادثة مبيت الإمام أمير المؤمنين عليه السلام على فراش النبي، وهي إحدى فضائله الشامخة، لما عرفنا، نحن على الأقل، طبيعة علم الإمام بها، وهل أنها مما يقبل التغيير أو أنها من القضاء المحتوم؛ وعليه فليس بوسعنا نكران كونها فضيلة له عليه السلام بمجرّد احتمالنا علمه بعدم إصابته بمكروه دون أن نحدّد طبيعة هذا العلم وإلى أيّ قسم من القسمين السابقين ينتمي، وهو ما لا سبيل لنا لحسم تصنيفه. كما يمكن الجواب ـ ثالثاً ـ بما يتناسب مع بعض النظريات حول (علم المعصوم) وليس جميعها، حيث يذهب البعض إلى أنّ علم الإمام ليس جميعه علماً فعلياً بالأشياء، وإنما هو تابع ومتوقّف على إرادة المعصوم نفسه، فمتى شاء علم ومتى لم يشأ لم يعلم، وهو صريح الكثير من الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام الناصّة على (أنّ الإمام إذا شاء أن يعلم علم). ومن هنا لو عدنا إلى موضوع فضائل المعصوم يمكننا القول بأنّه لا يوجد لدينا قطع بأنّ الإمام يعلم بنتيجة الأحداث التي تعدّ فضيلة له، بل إنّ من الممكن أن تكون مما لم يشأ الإمام علم نتيجته، وبالتالي فلا وجود لعلم يتناقض مع نسبة الفضيلة إليه.
السؤال: هل هذا الجواب عن الإشكال صحيح من وجهة نظركم؟ (طه، لبنان).
الجواب: لديّ بعض التعليقات هنا، وهي:
أولاً: إنّ كون النبي أو الإمام بمرتبة جعلته محلاً للعلم المذكور لا يلغي أنّ نفس جلوسه على الفراش لا فضيلة فيه، فالسائل لم ينكر أصل أنّ الإمام عليّاً عليه السلام يحوز على فضيلة ومكانة، ولكنّه أنكر خصوصيّة الفضيلة في المبيت بعد كونه يعلم بعدم موته، فلا يوجد في الجواب الأوّل أعلاه أيّ مؤشر على نقد الجهة التي يسأل عنها السائل؛ لأنّنا نسلّم بأنّ علمه جاء عن كماله وسموّ نفسه، لكن بعد هذا الأمر لو بات وهو يعلم بأنّ المبيت ليس فيه خطر، فأيّ قيمة لمبيته من حيث شرف التعرّض للموت في سبيل الله؟ حتى لو كنّا نعلم افتراضاً أنّه لو لم يكن يعلم فإنّه كذلك سوف يبيت، فإنّ هذا شرفٌ تقديري مرتبط بالفعل، وإن كان شرفاً فعليّاً مرتبطاً بالملكة؛ لأنّ سؤال السائل عن الشرف الفعلي للفعل والحادثة لا عن الملكة والتقدير. كما أنّ المثال الذي قُدّم معكوس؛ لأنّ المثال الذي ينسجم مع الصورة التي نحكي عنها هو لو علم الإمام أنّ ما في الكأس ليس بسمّ، والناس ظنّته سمّاً، وأقدم عليه، فسوف تعظّمه الناس، لكنها لو علمت أنّه كان عالماً بعدم كونه سمّاً؛ لخبرته بالسموم، فسوف يلغون فضيلته حينئذ.
ثانياً: لنفرض أنّ القضاء محتومٌ وغير محتوم، وأنّ الإمام يعلم بالقضاء، لكنه لا يعلم بأنّه محتوم أم لا. ولنسلّم بأنّ هذا لا يضرّ بعلمه، لكن إذا شككنا أنّ علمه بعدم موته لو دخل الفراش، هل كان بالنسبة إليه من العلم بالقضاء المحتوم أم لا؟ فإنّ شكّنا هذا بنفسه يُعجزنا ويثبّطنا عن إثبات الفضيلة له؛ وذلك لأنّه لو كان علمه من العلم بالقضاء المحتوم لم يكن فضيلة، ولو كان من العلم بالقضاء غير المحتوم كان فضيلة، وحيث إنّنا نشك بأنّ علمه هل هو من العلم بالقضاء المحتوم أم لا، فهذا يعني أنّنا نشك في أنّ ما صدر منه فضيلة أم لا، وهذا لا يثبت له الفضيلة بل يثبت احتمال الفضيلة؛ لأنه يجعلنا نشكّ: هل له فضيلة أم لا؟ وما دمنا لا نعرف أنّه من العلم بالمحتوم أو لا، فلا نحرز الفضيلة؛ فالاستدلال المشار إليه أعلاه في جواب السؤال مقلوبٌ؛ لأنّ الكلام في إحراز الفضيلة التي يفترض أنّ الأصل هو عدمها، وبهذه الطريقة لا تحرز الفضيلة، بل نحرز احتمالها، فغاية ما نثبته بطلان نفي الفضيلة، لا إثبات واقع الفضيلة، فليتأمّل جيّداً. ولعلّه لذلك جاء في عبارات المجيب أعلاه أنّه لا يصحّ إنكار الفضيلة، مع أنّ المشكلة الأصلية تكمن في إثباتها لا في قضيّة إنكارها.
ثالثاً: يبدو لي أنّ الجواب الثالث المشار إليه أعلاه غير نافع أيضاً في ردّ سؤال السائل؛ لأنّنا نشكّ في أنّه هل أراد العلم بهذا الأمر وأنّه سيقتل أم لا؟ فإن أراد الإمام أن يعلم نتائج ما سيحصل معه، فقد علم ولا فضيلة، وإن لم يرد ذلك، لم يعلم فتثبت الفضيلة؛ وحيث إنّنا نشكّ في أنّه أراد أن يعلم أو لم يرد؟ فنحن ـ إذن ـ نشكّ في أنه ثبتت له الفضيلة أم لا. نعم يمكن تجاوز هذه المشكلة بتطبيق قواعد باب الاستصحاب في أصول الفقه، فيتمّ هذا الجواب لو صحّ هذا الإجراء؛ لأنّه يقال باستصحاب عدم إرادته العلم؛ فينقّح بذلك موضوع تحقّق الفضيلة.
رابعاً: بناءً على ما تقدّم، فالجواب عن السؤال أعلاه مبنائي، وهو إمّا إنكار العلم المطلق بالغيب أو إثبات العلم بالغيب لو أراد مع إحراز عدم إرادته هنا من خلال النصّ القرآني نفسه؛ لأنّ الآية الكريمة التي نزلت في المبيت كما هو المعروف، تجعل علياً ـ سلام الله عليه ـ ممّن يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله، أي أنّه حصل منه بيعٌ لنفسه بمبيته في الفراش، مقابل أن يأخذ مرضاة الله تعالى، ومع علمه بالمآلات أيّ بيعٍ تحقّق؟! ولا أجد لإشكال السائل هنا جواباً وفقاً لنظرية العلم الفعلي التام بالغيب للمعصومين، ولعلّ مثل هذه الإشكالات منبّهاتٌ وجدانية لبطلان نظرية علم النبي والأئمة بالغيب بالطريقة السائدة اليوم بنحو الفعلية. والله العالم.
اعلم
أن فداء رسول الله بالنفس ليس بالسهل اليسير وحتى لو كان الفادي يعلم بنجاته ،وهذا لايستطيع أحد فعله كما زعمت إلا بقوة إيمان كعلي بن أبي طالب عليه السلام .
و لعل من أكبر مصاديق هذا المثال هو يوم الأحزاب حين طلب الرسول الأعظم ص من أحد المسلمين أن يبرز لعمر بن ود و يضمن له على الله الجنة و مع ذلك لم يقم إلا علي ع مع وجود الصحابة الأجلاء .
ثانيا/ اختيار الإمام علي ع للمبيت هذا في حد ذاته فضيلة ولم يختر رسول الله غيره
ثالثا/ من قال لك أن عليا سَلِم من كيد الأعداء ؟؟
فرسول الله ص حينما طلب المبيت من علي ع أجابه أمير المؤمنين : أفي سلامة من ديني؟
و لم يقل أفي ذلك سلامة نفسي؟
فقد ضمن له النبي ص سلامة دينه ولم يضمن له سلامة نفسه
فهذه شجاعة و قوة بأس…
في حين أن الروايات تخبر أن عليا تعرض للهجوم حين استبطؤوا خروج النبي ص فدخلوا فتفاجؤوا و غضبوا بوجود ابن أبي طالب ولم يجدوا مقصدهم فتعرض الإمام علي عليه السلام للجرحات جراء تعديهم عليه .
و الكلام ذو شجون .
مجرد التسليم لأمر الله ورسوله ألا يُعد مثبتاً لفضيلة المبيت مع عدم كون الأمام ع مأموراً بذلك بل هو أقدم بنفسه لمايراه من حق عليه في نصرة الله تعالى ودينه وحباً لشراء مرضاته