السؤال: ذكرتم في بعض أجوبتكم أنّ منكري حجيّة خبر الواحد استندوا إلى الروايات التي تأمر بطرح ما لم يوافق القرآن الكريم، فكيف يصحّ منهم هذا فيستندون إلى روايات آحاديّة لكي يثبتوا عدم حجيّة خبر الواحد، والمفروض أنّهم لا يقولون بحجيّة خبر الواحد، فكيف استندوا إلى خبر الواحد هنا؟! (مازن، العراق).
الجواب: إنّ إشكالكم هذا مطروحٌ في بعض كتب أصول الفقه المطوّلة عند المتأخّرين؛ حيث نوقش الاستدلال على عدم حجية خبر الواحد بأخبار العرض بأنّ ذلك يستلزم الدور، لكنّ أجيب عن ذلك ويجاب:
أولاً: إنّ أخبار العرض عند الإمامية واردة بنحو التواتر المعنويّ، كما ادّعاه غير واحد من العلماء. وهذه المناقشة محلّ نظر عندي حيث بحثت مفصّلاً في هذا الموضوع، وأثبتّ أنّ أخبار العرض لم تبلغ حدّ التواتر رغم صحّتها السنديّة بل وإمكان الاعتماد على القدر المتيقّن منها، نعم من يحصل له وثوق بصدورها وليس بالبعيد يرتفع عنه الدور.
ثانياً: إنّه حتى لو كانت أخبار العرض روايات آحادية معتبرة بناء على حجيّة خبر الثقة أو الموثوق مثلاً، مع ذلك فإنّه يلزم منها تعارض أخبار الآحاد فيما بينها، من حيث إنّ إثبات حجيّة خبر الواحد يلزم منه ثبوت حجيّة أخبار العرض، لكونها أخبار آحاد، فيلزم منه بطلان حجيّة خبر الواحد؛ والقاعدة تقول: كلّ ما لزم من ثبوته عدمه فهو باطل، فتكون أخبار العرض بمثابة دليل إلزامي ثانٍ ضدّ القائلين بحجيّة خبر الواحد، وللتوضيح فإنّ ثبوت حجية خبر الواحد سوف يثبت حجيّة أخبار العرض، وإذا ثبتت حجية أخبار العرض فإنّها تدلّ على عدم حجيّة خبر الواحد حسب الفرض، فيكون ثبوت حجيّة خبر الواحد مثبتاً لأخبار العرض المثبتة لبطلان حجيّة خبر الواحد، وهذا ما يوجد مفارقة في نظرية حجيّة خبر الواحد، أو تناقضاً ذاتيّاً.
لكن ما يسهّل الخطب هو أنّ أخبار العرض ليست دليلاً قويّاً على إسقاط حجية خبر الواحد، فهي لا تعطي الحجية للخبر الموجود مضمونه تماماً في الكتاب وتنفي الحجية عن غيره، وقد بحثت ذلك بالتفصيل في كتابي (حجيّة الحديث)، والذي سوف يصدر قريباً بعون الله تعالى.