السؤال: ما هو موقف الإسلام من علم التشريح؟ أنا أعلم بأنّ التشريح محرّم إلا في حالات الضرورة، فكيف ينسجم القول بالتحريم مع مقولة عدم تعارض العلم والدين، وأنّ الدين يدفع العلم نحو الأمام؟ وأنت تعلم أنّ علم التشريح علمٌ أساسيٌّ من العلوم الطبّية، واستمرار هذا العلم مرتبط بتوفير جثث بشكل مستمر لغرض التعليم. فما هو حكم الإسلام في هذا الموقف؟ (أبو حسن العبيدي، العراق).
الجواب: لقد ذكر الفقهاء جواز التشريح في حالات غير قليلة، ومنها حاجة المجتمع الإسلاميّ للضرورة إلى مثل ذلك، ومجرّد أنّ الدين يحترم العلم لا يعني ذلك أنّ العلم له أن يطالب بكلّ شيء متجاهلاً القيم والأخلاقيّات، وقضيّة التشريح تتصل بقيمة الإنسان وأخلاقيّات التعامل مع الميّت، والإسلام متشدّد جداً في حرمة الميت، فحرمة المسلم ميتاً كحرمته حيّاً، كما هي القاعدة المأخوذة من النصوص الشرعيّة، فهل لو توقّف علم التشريح على أن نقتل الأحياء مثلاً ـ وفرض المحال ليس بمحال ـ سنجيز قتلَ الأحياء ولو مع رضاهم؟! أليس المنع حينئذٍ احتراماً للقيم والحقوق والأخلاقيّات، ولو على حساب العلم في بعض الجوانب المحدودة. وعليه فالموضوع يتصل بعلاقة العلم بالقيم لا فقط بالدين، فهل العلم مطلق العنان في سبيل وصوله إلى منجزاته حتى لو أراد اختراق القيم الأخلاقيّة أم لا؟ فإذا قبلنا بعدم وجود حريّة له في ذلك، أمكن أن نقبل تدخّل الدين للحدّ من بعض النشاط العلمي، لا لغرض أيديولوجي أو ديني، بل لغرض يتصل بالقيم وحرمة الأموات وفق رؤيةٍ يراها الدين، ولذلك جعل الفقهاء قضيّة علم التشريح مرتبطةً بمنطق الضرورة، ولم يحرّموه مطلقاً ولم يجيزوه مطلقاً، كما أنّهم حرّموا نفس العمليّة التشريحيّة التطبيقيّة ولم يحرّموا الجانب النظري من هذا العلم. أضف إلى ذلك أنّ الكثير من الجامعات اليوم في العالم باتت تتجه للتشريح على الجثث غير الحقيقيّة بل الاصطناعيّة، وهذا ما بات موجوداً في بعض الدولة الإسلاميّة أيضاً.
والخلاصة: نحن كما نطالب الدين والأخلاق والقيم باحترام العلم ومسيرته، كذلك من حقّنا أن نطالب العلم أن يحترم ويراعي ويقدّر القيم والأخلاق والدين، ولا أرى في ذلك تعطيلاً لمسيرة العلم، ما دامت مثل هذه الحالات محدودة جدّاً، فيما أغلبيّة العلوم الساحقة ليس هناك حظر ديني أو أخلاقي فيها.