• الرئيسية
  • السيرة الذاتية
  • الكتب والمؤلفات
  • المحاضرات والدروس
  • المقالات
  • الحوارات واللقاءات
  • المرئيات
  • الأسئلة والأجوبة
  • لغات اُخرى
  • تطبيق مؤلفات حب الله
  • آراء
الموقع الرسمي لحيدر حب الله
الاجتماعية والأخلاقية التاريخ والسيرة الفقهية والشرعية الفكرية والثقافية الفلسفية والكلامية القرآنية والحديثية
# العنوان تاريخ النشر التعليقات الزائرين
22 أسلوب تسقيط الأشخاص، الموقف منه، أسبابه والحلول 2014-05-12 0 9849

أسلوب تسقيط الأشخاص، الموقف منه، أسبابه والحلول

السؤال: يكثر الخلاف حول شرعيّة التسقيط، فمنهم من يقبله أو يرفضه بالمطلق، ولكلّ حجّته، برأيك ما المعيار الشرعي الصحيح لهذا الأمر؟ وفّقكم الله (خليفة، المملكة العربية السعودية).

 

الجواب: موضوع التسقيط لا يؤخذ فقط من جانبه الفقهي، بل إنّني أعتقد أنّ المشكلة الأعمق فيه هي مشكلة ثقافة ووعي وأخلاق وأسلوب حياة، فتارةً يحاول الإنسان أن يُسقط فكرةً ما أو مشروعاً ما في الحياة، سواء على المستوى الفكري أو الديني أو الثقافي أو الاجتماعي أو السياسي أو غير ذلك، وأخرى يعمل على إسقاط الأشخاص الحقيقيّين أو المعنويين، فيعمل على إسقاط هذا العالِم أو ذاك، وتسقيط هذه الحوزة هنا أو هناك، أو هذا التجمّع العلمائي هنا أو هناك، أو هذه الجامعة أو هذه المؤسّسة أو هذا المركز وما شابه ذلك.

عندما أعتقد أنّ هذا الفكر أو العقل أو المنهج خاطئ أو مفسد أو ضارّ بالمجتمع، فمن حقّي أن أمارس النقد والتفنيد له، وأسعى لمنافسته في الواقع الميداني، لكي أحذفه لأحلّ مكانه، ويكون حذفي له بلغة العلم أو الفكر أو السياسة أو الأخلاق أو غير ذلك، وهذا الحذف للفكر لا يصحّ أن يكون قمعيّاً عبر القتل أو التصفيات أو الإغلاق أو المصادرة أو الحظر أو المنع، بل المفترض بين المسلمين أن يكون الأصل هو المنافسة بالفكر والمنطق والعلم والحجّة والبرهان وتقديم البدائل وبيان الضعف والقوّة ونحو ذلك، دون كذبٍ أو دجل أو تلاعب أو تضليل للرأي العام.

إلا أنّ مشكلتنا في العصر الحاضر تكمن في جانبين: أحدهما في الأسلوب غير الأخلاقي لإسقاط الفكر، وثانيهما في استخدام أسلوب تسقيط الأشخاص بدل محاربة الأفكار:

أ ـ فعلى الصعيد الأوّل (النهج غير الأخلاقي في تسقيط التيارات والأفكار)، نحن نجد نماذج كثيرة أذكر منها:

1 ـ الإصرار على نسبة أفكار كذباً وزوراً إلى مذهب أو تيّار لتشويه صورته.

2 ـ ربط فكرٍ بتيارات أخرى قبيحة على مستوى الرأي العام، أو تقع خارج إطار الدين أو المذهب، دون دليل، مثل أن نقول عن الفكر الفلاني بأنّه إلحادي، أو هو غربي، أو هو وهابي (في الوسط الشيعي)، أو هو رجعي متخلّف، أو هو شرك، أو هو متحلّل أو غير ذلك من التوصيفات المباشرة (لا العامّة) التي تهدف تشويه صورة هذا الفكر أمام الرأي العام.

3 ـ محاولة الحديث عن ظروف مريبة لولادة تيار فكري معيّن، بحيث يبدو وكأنّه مشبوه أو ابن زنا، كأن نحاول ربطه بالماسونيّة أو العمالة أو مع ظروف معينة ملتبسة، دون حجّة أو دليل، بحيث يصير التحليل السياسي مع الأسف برهاناً قضائيّاً في حقّ هذا الفكر الآخر!

ب ـ أمّا على الصعيد الثاني الذي هو محطّ نظر سؤالكم كما يبدو لي، فإنّ المشكلة كبيرة جدّاً، وقد صارت بحقّ داءً عظيماً في الأمّة يجب علينا العمل تربويّاً واجتماعيّاً ودينياً وأخلاقيّاً لمعالجته، بل يبدو لي أنّه يكاد لا يسلم منه فريق أو تيار مع تفاوت في المستوى والدرجة، لقد صارت ثقافتنا قائمةً على تدمير الرموز لتدمير أفكارهم، وبهذه الطريقة تخرج الأمّة عاريةً من الرموز، لأنّ كلّ رمز شوّهت صورته وفضحت سيرته وسريرته صدقاً وكذباً، وذهبت هيبة الناس وحرماتها ومكانتها الاجتماعية الزائفة لكن ذهبت في الوقت عينه حرمتها الحقيقيّة التي تليق بها. إنّ التسقيط والحذف بلغ بنا حدّاً عظيماً لم نعد نتحمّل نفسيّاً اسم شخص أو فكرةً معيّنة تنسب له، ونقرأ له وقلوبنا تزداد دقّاتها وكأنّنا في حال توتّر، قلقين دوماً وخائفين ومتوجّسين، ونبحث في كتبه ومقالاته وكلماته عن هفوة أو سقطة لنبعثر ما بناه، ونشوّه ما صنعه. والغريب أنّ بعضنا يريد أن يصفّي حسابه مع الأحياء فيقوم بتدمير حُرُمات الأموات كي يسقط الأحياء التابعون لهم تبعاً لسقوطهم، بل أحياناً يسعون لتدمير بعض الأفكار؛ لأنّ في وجودها منفعة الخصوم فلا بدّ من تدمير الخصوم، ولهذا ندّمر تلك الأفكار التي تقوم عروشهم عليها، هذه مأساة حقيقيّة وعظيمة في الأمّة.

 ولا يعني التسقيط مطلق النقد، بل قد دعونا وندعو دوماً لنقد كلّ الكبار بلا استثناء، مستخدمين الطرق العلميّة والأخلاقية والأصول المهنيّة للبحث، فليس هناك من هو مصونٌ من النقد حتى كبار مراجع الدين، وما يريده لنا البعض من تحريم نقد العلماء والحوزات والمرجعيّات مرفوضٌ جملة وتفصيلاً، ومن يحرّم النقد فعليه أن لا يخطأ، أمّا أن يخطأ وتكثر أخطاؤه ثم يتوقع أن يظلّ الصمت قائماً فهو واهم، بل سيجني ما اكتسبه وسيرى أمامه تقصيره وتهاونه واستخفافه بالناس والنخب وانتقاداتهم، وسيأتي يوم عليه لا ينفع فيه الندم حيث لم تعدّ النصائح لتؤثر. لكنّ النقد شيء والتسقيط شيء آخر؛ لأنّ التسقيط في دوافعه وأهدافه وأسلوبه ومنهجه وآلياته مختلفٌ عن مطلق النقد، إنّه محاولة اغتيال غير جسديّة تسعى لحذف هذا الشخص أو ذاك من الوجود وتبديد قوّته وبقائه وحضوره وجمهوره وغير ذلك، بأسلوب لا يحكي عن إشفاق وحرص بقدر ما يحكي عن تشفٍّ وانتقام، إلى حدّ أنّه لا يجوز ذكره في أيّ مكان، ذلك كلّه لنبني عروشنا ـ مع الأسف ـ على جماجم غيرنا، بدل أن نبنيها على جهودنا وإمكاناتنا ومنجزاتنا وتجاربنا. نحن نرفض بشدّة هذا المنطق، وليست المشكلة في حوزةٍ هنا أو أخرى هناك، أو في هذا الشخص أو ذاك، إنّها في الفكر والعقل الذي لابد من إصلاحه، لا أن نقوم بتصفية حساباتنا مع جماعة هنا أو هناك، أو حوزة هنا أو هناك، أو مع تيار هنا أو هناك، مستخدمين أسلوب كشف النواقص دون بيان الإيجابيّات، وذلك كلّه بنفس الدرجة التي ندين فيها ما يريده الآخرون من السكوت المتواصل عن تقصير الكثيرين وعن الأفكار الخاطئة، فلا السكوت والحلول الصامتة هي التي تعطي نتيجة، ولا الغضب الذي يقصف عشوائيّاً كلّ مكان لا يعجبه، بطريقة تحتاج إلى إعادة توازن أخلاقي أو فكري.

وسأذكر بعض الأمثلة القليلة ـ من باب تلطيف الجوّ ـ حصلت معي شخصيّاً، وهي على بساطتها تحمل تعابير كثيرة، وما يحصل كلّ يوم مثلها بأحجام مختلفة كثيرٌ جدّاً:

المثال الأوّل: عاتبني بعض العلماء الأفاضل الذين أحترمهم، كيف آتي على ذكر اسم السيد محمّد الشيرازي أو السيد صادق الشيرازي في كتبي، فأذكر له رأياً أو أضع كتبه في هامش بحوثي، وأراجع أفكاره وأوثّقها فأؤيّدها أو أنتقدها! إنّه لشيء مستغرب بالنسبة لي أن يصبح ثقيلاً علينا حتى استحضار اسم شخص توفّاه الله في بحث علمي، وذكر رأيه، وأحياناً نقد هذا الرأي، وتسجيل اسم كتابه في هوامش البحث! هذا هو التسقيط والحذف. ففي هذه العقيدة يجب أن يموت ذكر هذا الإنسان ويحذف من الوجود، هذه هي عقليّة الحروب العقائدية الأيديولوجية التي لا تعرف منطق (لا غالب ولا مغلوب)، حتى أنّ ذكرك لبعض فتاوى شخص يقلّده الملايين أو مئات الآلاف يعدّ مشكلةً في بعض الأوساط، إذ يحظر ذكر اسمه وفتاويه.

ومن اللطائف أنّني في أحد أيّام شهر رمضان المبارك الماضي (1433هـ) كنت في لبنان، وبجانب محلّ نزولي مسجدٌ كنت أتردّد عليه للصلاة ظهراً كلّ يوم، وبعد الصلاة وذهاب إمام المسجد، كنّا نجلس مع بعض الأصدقاء من (حملة الشهادات!)، إلى أن سألني يوماً شخصٌ عن نظرية الإنسان الكامل، فأخذت بالحديث عنها، وتعرّضت لرأي ابن عربي والملا صدرا الشيرازي، والمضحك أنّه أشيع في اليوم التالي في بعض الأوساط أنّ فلاناً شيرازيّ الهوى، ولمّا قال لي شخصٌ ذلك، قلت له: لماذا هذه الشائعة؟ وهل مزاج تفكيري العام قريب من هذا الفريق؟ فقال: لأنّك تحدّثت عن صدر الدين الشيرازي بالأمس، فقلت له وأنا مبتسم: إنّ صدر الدين الشيرازي مات قبل الشيرازي الذي تواجهون مشكلةً معه بحوالي أربعمائة عام. هذه هي الثقافة السطحيّة المعلّبة، حتى أنّك في كثير من الأوساط لو سألت: ما هي مشكلتكم مع فلان؟ فلا يعرفون! لا أريد أن أدافع عن أحد، لكن أريد أن أبكي على حالنا في كيفية تعاملنا مع بعضنا، فتتربّى الأجيال على شائعات وقصص ولا يعرف أحدٌ شيئاً. ولا يهمّني الآن مع من هو الحقّ ومن هو في جانب الباطل، فقد ذهبوا إلى ربّهم وهو أعلم بحالهم، وليس لنا إلا أن نسأل لهم جميعاً الرحمة والرضوان، ونتخلّق بأدب «اذكروا محاسن موتاكم».

المثال الثاني: كتبتُ لبعض المجلات الموقّرة قبل حوالي سبع سنوات بعض المقالات الفقهيّة البحثيّة التي لا علاقة لها لا بالفكر السياسي ولا بغيره، فكلّمني مسؤول المجلّة التي كانت تنشر لي باستمرار، وقال لي بلغة استحياء ـ وهو صديقٌ عزيز ـ: هل يمكن أن نحذف اسم الشيخ المنتظري وكتابه من أحد هوامشك؟! إنّ كتاب المنتظري كان واحداً من عدد كبير من الكتب التي وثّقت بها في ذلك الهامش. حتى هذا القدر وفي بحث مرتبط بالحجّ لم يستطيعوا تحمّل اسم هذا الشخص! أيّ علاقة لي بالسياسة، فهذا بحث علمي، فلماذا إلى هذا الحدّ يجب حذفه من خارطة الوجود ولوح الواقع وصفحة العالم وهو فقيهٌ متمرّس مشهود له بالفقاهة من الجميع!!

المثال الثالث: كتب أحدهم كتاباً كبيراً وقدّمه لجامعة المصطفى العالميّة في قم، وكان حول الدولة الإسلاميّة، وعرض الكتاب على اللجنة الفاحصة لكي يتمّ تدارسه لتقديمه لمرحلة الدكتوراه كي يحوز كاتبه على شهادة بهذا الصدد، الأمر المفاجئ كان في أنّ الرجل حفظه الله لم يأت على اسم الإمام الخميني ولا مرّة واحدة في هذا الكتاب! كيف يعقل أن تكتب عن الفكر السياسي الشيعي والدولة الدينية دون أن يكون للسيد الخميني ولو هامش واحد أو فصل أو بضع صفحات تتعرّض فيها لنظريّاته ومنجزاته وطروحاته، هل يمكن ذكر شهادة الحسين دون كربلاء؟! أليس السيد الخميني ومدرسته هما شمس الدولة الدينية وقمر الفكر السياسي الشيعي في العقود الأخيرة؟! لكنّ هذه هي عقليّة الحذف والاجتثاث الكامنة في تفكيرنا.

المثال الرابع: كان أحد طلابي قبل سبع سنوات يحضر عندي درس بحث الخارج، ولمّا علم بعض الفضلاء بالأمر، حاول أن يثنيه عن الحضور، فقال له بأنّ فلاناً هو من جماعة السيّد فضل الله رضوان الله عليه، فنفى الطالب ذلك بشدّة، وقال له: لقد حضرت عنده سنوات، وكان يأتي بآراء السيد فضل الله، وغالباً ما كان ينتقدها علميّاً. كنت أتوقّع هنا أن يسكت ذلك الشخص الفاضل، لكنّ الغريب أنّه اعتبر ذلك هو الدليل، فقال: إنّ استحضاره لآراء فضل الله هو دليل ترويجه له حتى لو انتقده، إذ المفروض أن يحذف اسم فضل الله من لوح البحث العلميّ والدروس الحوزويّة، ولا يتردّد في الأوساط الحوزوية إطلاقاً!! هذه هي العقليّة التي تحكمنا اليوم مع الأسف، فلا مانع أن تكتب عن الفكر الغربي وتنتقده وتأتي بآرائهم لكنّه ممنوع أن تأتي برأي شخص في الداخل تختلف معه ولو لنقده؛ لأنّ النقد احترام، فيما المطلوب هو المسخ والإزالة والتلاشي والتسقيط! فيمكنك أن تقول عن كارل بوبر وكارل ماركس: (الأستاذ كارل بوبر، و..)، لكن من الحرام عليك أن تقول: الأستاذ أحمد الكاتب! كما حصل معي شخصيّاً.

ولو أردت سرد الأمثلة لاحتجنا لكتاب أو كتب، فهي سيرة وعادة تهيمن اليوم على كلّ واقعنا، حتى أنّك عندما تسمع كلام الساعين لإسقاطك فيما يقولونه عنك، تظنّ للوهلة الأولى أنّهم يتحدّثون عن مخلوق غريب عجيب، فتلتفت يميناً وشمالاً لتعرف عمّن يتكلّمون؟ وأين هو هذا الشخص؟ كلّ هذا لأنّ الحاكم هو منطق التسقيط والمسخ والتشويه!!

والأغرب أحياناً هو منطق أنّ بائي تجرّ وباؤك لا تجرّ، فلو أنت قلت شيئاً يخالف المشهور أو الإجماع فهي مفخرة، لكن لو قال ذلك الخصم شيئاً مثل هذا فهي المهلكة، ففي هذه الأيام ـ على سبيل المثال ـ تخوض الحوزة العلميّة في الوسط الإيراني في مدينة قم جدلاً واسعاً حول فتوى أصدرها أحد الفقهاء الموالين لتيار معيّن (الشيخ بيات الزنجاني)، وهي تقول بأنّ الصائم لو عطش عطشاً شديداً (وهي غير حالة ذو العطاش) يمكنه أن يشرب بمقدار معيّن من الماء لرفع العطش، ثم يُكمل صومه ويصحّ ولا يجب القضاء. ويستند هذا الفقيه إلى روايتين معتبرتين سنداً عنده، رويتا في المصادر الحديثية، ويراهما حاكمتين على سائر الروايات في باب الصوم. لا يهمّنا الآن صحّة رأيه، ولا مدى تناسب الموضوع مع إعلانه، بقدر ما يهمّنا ردود الأفعال الصاخبة عليه، بحيث إنّ ما يثير الدهشة هو أنّ أحد كبار المرجعيّات المنفتحة القائمة اليوم والمعروفة بآرائها وفتاويها الفقهيّة المخالفة للمشهور والإجماع شنّ هجوماً عنيفاً على هذا الفقيه ووصف فتواه بأنّها تلاعبٌ بالدين! فلماذا إذا أصدرتُ أنا فتوى معيّنة مخالفة للسائد واستهجن منها الناس وسائر العلماء رميتهم بالجمود وتفاخرت بالتجديد في الفتوى (كفتواه المنسوبة إليه من أنّ القاطنين في البلدان الشماليّة طويلة النهار كاثنين وعشرين ساعة مثلاً يجعلون مقدار ساعات الصوم في تلك البلدان هو متوسط ساعات الصوم في البلدان المتوسطة، وهي حوالي خمس عشرة ساعة أو ست عشرة ساعة، ومن ثم فيمكنهم الإفطار قبل غروب الشمس هناك)، أمّا إذا جاء بذلك شخصٌ آخر وفعل الفعل نفسه رُمي بالتلاعب بالدين بهدف إسقاطه تماماً، والسبب هو الانتماءات والتيارات القائمة! هذه هي المشكلة اليوم، فنحن ندافع عن حقّ هذين العالمين معاً في الاجتهاد، ولا نقول هذا اجتهاد غريب وهذا اجتهاد مشروع، ما دام الاجتهادان يقدّمان تبريراً علميّاً لهما، سواء قبلنا هذا التبرير أم رفضناه، فما أكثر الاجتهادات التي أثيرت مؤخّراً وبدت مضحكةً لكثيرين في البداية ثم أخذت بالرواج وتبنّاها بعض الفقهاء فيما بعد، فهذا أحد المراجع اليوم وهو السيد (…) والذي سبق أن سخر قبل أكثر من عقد من الزمان سخريّةً شديدة في مجلس درسه من فتوى جواز استمناء المرأة والتي أصدرها مرجعٌ آخر، ها هو اليوم يجيز الاستمناء بتخيّل صورة الزوجة شرط عدم مسّ العضو الذكري ولا اللعب به، فقد فتح بفتواه الجديدة هذه كوّةً صغيرة تغاير مشهور الفقهاء، ولا ضير، فكما لا يحقّ للمختلفين اجتهاديّاً معه أن يسخروا بفتواه هذه، كذلك ما كان ينبغي له السخرية بتلك الفتوى ما دامت قد قدّمت وجهة نظر في فهم النصوص، وكان الحقّ هو النقاش العلمي في الحالين معاً، وبهذا تأخذ الباء حكماً واحداً في مختلف الظروف، فتجرّ هنا وهناك.

لكن لماذا نستبدل أسلوب نقد الأفكار بأسلوب تسقيط الأشخاص؟

أحد الأسباب الأساسيّة هو أنّ مجتمعاتنا ما تزال تقلِّد وما يزال عقلها يعيش التقليد حتى في غير الدين، فضلاً عمّا هو غير الفقه والشريعة، فعندما تناقشك مجتمعاتنا فهي تقول لك: قال فلان وقال فلان من العلماء، بدل أن تقول: قال الله وقال رسوله، فبدل ان يأتيك بالدليل يأتيك بكلام عالم ليس في كلامه دليل، وإنّما هو بيان لرأيه الشخصي بنحو النتيجة، فنحن كمجتمعات إسلامية وعربية أقرب لأصحاب الفكرة منّا للفكرة نفسها، من هنا يستخدم كلّ واحد ضدّ الآخر أسلوب تسقيط الأشخاص؛ لأنّ مجتمعاتنا مرتبطة بالأشخاص أكثر من ارتباطها بالأفكار، وهذا في تقديري سببٌ أساسي في الموضوع، ولا أريد أن أدخل في الأسباب غير الأخلاقيّة التي يقف على رأسها الحسد، وما أدراك ما الحسد.

لكن كيف الحلّ؟

الحلّ لا يكون إلا بثورة أخلاقيّة وتوعويّة ثقافيّة وبفتح باب الاجتهاد حقيقةً، بكلّ ما لكلمة الثورة من معنى، لثورة أخلاقيّة حقيقيّة لا مزيّفة، لا لأخلاق تجيز الكذب لمصلحتي وتحرّمه على الآخر، بل لأخلاق تتعالى في وعيها عن الجزئيات والزواريب، ولأخلاق تُعطى الأخلاق فيها قيمةً أيضاً لا الأهداف فقط، ولأخلاق تحكم الحيل لا لحيل تحكم الأخلاق. إنّني أقبل بالاستثناءات، لكنّني لا أقبل بهيمنة الاستثناءات في مجال الأخلاق، نحن بحاجة لثورة تربويّة واجتماعيّة، تعيد توازن الأمور عبر مفاهيم تصحيحية في العلاقات، والبداية تكون مع جيل الأطفال والناشئة؛ لأنّ الأجيال الأكبر سنّاً يكاد حالها يدخل دائرة اليأس والقنوط.

والحلّ أيضاً بأن يعمل طلاب التعددية والانفتاح بما يقولون، فلقد زاد في إحباط الأمّة أنّ طلاب التعددية والانفتاح أكثر انغلاقاً أحياناً من غيرهم، فعندما نطرح الأفكار ونعمل بما نقول، نضع أوّل المداميك الحقيقية لبناء تجربة ناجحة إن شاء الله، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ (الصف: 2 ـ 3).

 

إرسال

you should login to send comment link

جديد الأسئلة والأجوبة
  • تأليف الكتب وإلقاء المحاضرات بين الكمّ والنوعيّة والجودة
  • مع حوادث قتل المحارم اليوم كيف نفسّر النصوص المفتخرة بقتل المسلمين الأوائل لأقربائهم؟!
  • استفهامات في مسألة عدم كون تقليد الأعلم مسألة تقليديّة
  • كيف يمكن أداء المتابعة في الصلوات الجهرية حفاظاً على حرمة الجماعات؟
  • هل يمكن للفتاة العقد على خطيبها دون إذن أهلها خوفاً من الحرام؟
  • كيف يتعامل من ينكر حجيّة الظنّ في الدين مع ظهورات الكتاب والسنّة؟!
  • هل دعاء رفع المصاحف على الرؤوس في ليلة القدر صحيحٌ وثابت أو لا؟
الأرشيف
أرسل السؤال
الاشتراك في الموقع

كافة الحقوق محفوظة لصاحب الموقع ولا يجوز الاستفادة من المحتويات إلا مع ذكر المصدر
جميع عدد الزيارات : 35746595       عدد زيارات اليوم : 1933