السؤال: أعاني من صراع داخلي والسبب مادّي معيشي, فإني أعمل في مؤسّسة إسلامية في مجال تقني، وبحمد الله أتقنت العمل وأصبح لديّ خبرة في هذا العالم، ومن جهة أخرى أتابع العلوم الدينية برغبة وعزم شديدين. فعملي من شأنه أن يوفّر لي قوتي وقوت عيالي، وطلبي للعلم يلبّي جزءاً من طموحي، وفي هذه المرحلة أدرس مع بعض الإخوة بإصرار، ولكنّ طلب العلم يأخذ كلّ تفكيري وكلّ همّي (طبعاً بلحاظ الغاية)، وأصبحت أفكّر بترك الوظيفة والتفرّغ للعلم، ولكنّ هذا سيسبّب لي الفقر، فمن جهة أحتاج إلى عملي، ومن جهة أطلب القرب من الله عبر باب طلب العلم, أرجو من سماحتكم النصيحة والتوجيه، وأنتم أهلٌ لذلك.
الجواب: إذا شعرتم من أنفسكم بمقدرتكم على تقديم خدمةٍ متميّزة للإسلام، من خلال طلبكم للعلوم الدينية، وكان حماسكم قويّاً لذلك، فينبغي السعي للتوفيق بين العمل وطلب العلم إذا أمكن ذلك، واليوم ـ وبحمد الله تعالى ـ صارت هناك مجالات كثيرة للعمل بالنسبة لطلاب العلوم الدينيّة، بما لا يُخرجهم عن دائرة طلب العلم، كالتحقيق والترجمة وتقويم النصّ والتنسيق مع المؤسّسات البحثيّة والتبليغية، لكن إذا وجدتم عدم وجود إمكانية للجمع أيضاً بحسب المنطقة التي أنتم فيها، فيمكنكم التواصل مع الجهات المعنيّة في الحوزة العلميّة لتغطية وضعكم المادي، كما هي الحال في الحوزات العلميّة الكبرى، ولكنّ ذلك سوف يضيّق عليكم نمط عيشكم بقدرٍ ما؛ لأنّ المخصّصات التي تجعل لطلاب العلوم الدينية ـ حال كونهم غير متصدّين للشأن العام ـ تكون في العادة غير كافية، ويمكنكم التنسيق مع شخصيّات علمائية لها نفوذ، ويعرف عنها تقديم خدمات في هذا المجال، علّها تيسّر لكم أمركم في هذا الصدد. ولكن قبل كلّ شيء، عليكم أن تتّكلوا على الله سبحانه، وتعلموا بأنّه إذا كان قصدكم خيراً وكانت نيّتكم له سبحانه، وكان الموقف الشرعي والأخلاقي يتطلّب منكم التصدّي لطلب العلم الديني بحسب الحاجات الموضوعية المحيطة بكم وبحسب إمكاناتكم الشخصيّة، فإنّ الله سبحانه وتعالى يسهّل الأمر، ويفتح بوجهكم مغاليق الأمور، فكم من طالب علمٍ عاش ضنكاً من العيش ثم يسّر الله له، شرط أن تنتبهوا ـ ومنذ البداية ـ إلى أنّ أموال الخمس والزكاة ليست حكراً لطلاب العلوم الدينية، وأنّ على طالب العلم الديني أن يسعى ـ متى أمكنه ـ لتحصيل قوت يومه بالعمل الذي لا يتنافى مع طبيعة اهتماماته الدينية وتخصّصه العلمي، وأنّه إذا أراد الإنسان سلوك سبيل طلب العلم لله تعالى وحده، متحمّلاً المسؤوليات الحقيقية في هذا المضمار، لا لتحصيل المنصب الاجتماعي أو السياسي أو لجبي الأموال لمصالح شخصيّة، فإنّ الله عز وجل يفتح عليه ويوفّقه لكلّ خير، فإنّ هذا سبيل الأنبياء والمصلحين عبر تاريخ الإنسانية كلّها، والله هو الموفق والمعين.