السؤال: يقول بعض المفسّرين ـ ومنهم العلامة الطباطبائي ـ أنّ قوله تعالى: (قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضرّاً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسّني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون) (الأعراف: 188)، ينفي العلم بالغيب مستقلاً، ولا ينفي العلم بالغيب بتعليمٍ من الله تعالى، فما هو تعليقكم؟ (نزار، لبنان).
الجواب: العلم بالغيب في الجملة من الأمور اليقينيّة التي تشهد بها النصوص الدينية وتتحدّث عنها الدراسات الأخرى أيضاً، إلا أنّ النزاع في أنّ مقتضى القاعدة هو علم المعصوم مثلاً بالغيب إلا ما خرج بالدليل أم لا؟ فمن يذهب إلى أنّ ذلك هو مقتضى الدليل العام والقاعدة فهو يثبت للمعصوم العلم بكلّ غيب، إلا ما ثبت عدم علمه به كغيب الغيوب وما اختصّ الله تعالى بعلمه، وأمّا من يقول بأنّ ناتج القاعدة والدليل العام لا يعطي العلم بالغيب فإنّه يرى أنّ المعصوم لا يعلم الغيب إلا ما ثبت فيه علمه بالغيب، كأن يدلّ دليل خاصّ على علمه بما سيكون أو على علمه بأعمال العباد أو غير ذلك. ووفقاً لذلك فإنّ هذه الآية الكريمة تصلح دليلاً للفريق الثاني النافي لقاعدة العلم بالغيب دون أن يكون نافياً للعلم بالغيب في بعض الموارد التي دلّت عليها الأدلّة الخاصّة؛ لأنّ الآية الكريمة صريحة في نفي العلم بالغيب، وأوضح مجالاتها هو نفي الموجبة الكلّية، فتشكّل أساساً في نفي قاعدة العلم بالغيب.
وأمّا قيد الاستقلال المشار إليه فهو غير صحيح؛ إذ لو كان المراد من الآية الاستقلال لصحّ جواب المعصوم هنا، حيث يقول: (لو كنت أعلم الغيب بالاستقلال لاستكثرت من الخير، أمّا وأنا لا أعلم الغيب بالاستقلال وإنّما يعلّمني الله تعالى، وقد علّمني فأنا الآن أعلم الغيب، ولكن لا أستطيع الآن أن استكثر من الخير)؛ مع أنّ هذا الجواب غير معقول؛ إذ لا فرق في الاستكثار من الخير ـ بعد تحقّق العلم بالغيب ـ بين أن يكون هذا العلم من الله أو بالاستقلال. هذا مضافاً إلى أنّ قيد الاستقلال غير موجود في الآية الشريفة ويحتاج إثباته إلى دليل. ويبدو أنّ العلماء ظنّوا أنّ إثبات بعض الغيب للمعصوم معناه نفي هذه الآية، مع أنّ هذه الآية تريد نفي القاعدة أو بعض الغيب الذي يرتبط بمجالها، فهي لا تريد إثبات السالبة الكلية، بل كأنّها تريد نفي الموجبة الكلّية أو الأكثرية، فتأويل أمثال العلامة الطباطبائي لها في غير محلّه.