السبت 24 ـ 9 ـ 2016م
يفضّل كثيرون التفكير من داخل دوائرهم، ويشعرون بأنّه من الصعب عليهم النظر في الأمور من الأعلى، أو من نقطة الصفر، فإذا انتمى لدائرة معيّنة فقد وضع بينه وبين الدوائر الأخرى حجاباً، بحيث غدا يشعر بأنّه لو قَبِلَ بشيء ما في الدائرة الأخرى، فقد جرح انتماءه أو خدش هويّته أو أخلّ بقناعاته الكبرى أو غيّر لونه. وحتى التشبّه أو التلاقي مع الأطراف الأخرى على مشتركٍ ما أو الانتفاع بما يقوله الآخرون خارج دائرتك يصبح صعباً؛ لأنّ عالمك الفكري يصبح عالماً مستقلاً تماماً عن الآخرين، ومكتفٍ بكفاية ذاتيّة في الوقت عينه.
إنّ التعالي ـ وأنت تدرس قضيّةً ما بموضوعيّة عالية ـ عن الفضاء الذي أنت فيه قد يكون صعباً في البداية، وهو أشبه بلحظة وخز الإبرة في جسد الإنسان، بل قد يُشعرك بالخوف على ذاتك، لكنّه ـ إذا صبرت قليلاً عليه وسرت معه بتأنٍّ لا باندفاعٍ أو قلق، ولا بإفراطٍ أو تفريط ـ سرعان ما يصبح إحساساً عارماً بالتحرّر الفكري وبالموضوعيّة والقدرة على التعامل مع الأشياء جميعاً بإيجابية عالية وبدرجة واحدة أيضاً من النقد.
من هنا، لا تصنّف نفسك ـ وأنت تفكّر ـ بما يحجبك عن الحقّ عند غيرك، ولا تصبح ممّن يرى الحقّ عند الآخرين لكنّه لا يُفصح عنه ولا يسير معه، لا لشيء إلا لأنّه (عند الآخرين)، فاستيراد الأفكار والتعابير والمفاهيم والتجارب ليس محرّماً، عندما لا يصطدم بحقيقة موضوعيّة ثبتت عندك بالتفكير من قبل، حتى لو اصطدم بانتماء اجتماعي. فكّك بين انتمائك الاجتماعي وبين تفكيرك في قضيّة ما، وسترى ما ربما لم يكن يمكن أن تراه من قبل.
لن أعيش عقدةً إذا كنتُ شيعيّاً من أن التمس حقّاً عند سنّي، ولن أتوانى ـ إذا كنتُ سنيّاً ـ عن الشعور بالسعادة عندما أتعرّف على حقيقةٍ ما عند شيعي، ولن أخشى إذا كنتُ إسلاميّاً من أن أستفيد من أفكار العلمانيّين النافعة، كما لن أضرب ـ إذا كنتُ علمانياً ـ حجاباً بيني وبين حقيقةٍ أضاء عليها مفكّر إسلاميّ مُبْدِع، فالانتماءات عندما تُصبح حجباً عن رؤية الحقيقة ستكون ظلماتٍ من نور وعوازل نورانيّة بحسب تعبير العرفاء وأهل المعنى.
التفكير هو الذي يقود إلى الانتماء ويبرّره، فلا ينحر أحدُنا التفكيرَ بالانتماء.
قال تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) (الزخرف: 81).
# | العنوان | تاريخ النشر | التعليقات | الزائرين |
---|---|---|---|---|
114 | وخز الإبرة والتفكير خارج الصندوق | 2016-09-25 | 0 | 1215 |