الثلاثاء 2 ـ 3 ـ 2021م
وفقاً لمعلومات دقيقة من جهات مطّلعة على الوضع الحوزوي الداخلي، فإنّ عدد الملتحقين سنويّاً بالحوزات العلميّة آخذٌ ـ منذ أكثر من عقد من الزمن ـ بالتناقص التدريجي، والأرقام في بعض الحوزات والمناطق تبدو مفاجئة على هذا الصعيد، وإن كانت مناطق أخرى يبدو الوضع فيها طبيعيّاً.
ثمّة أسباب عدّة لهذه الظاهرة في تقديري، ويمكن ذكر الآتي:
1 ـ انتهاء عصر تأثير المدّ الإسلامي الإحيائي الصاعد في العالم الإسلامي منذ ستينيّات القرن الماضي وصولاً لبدايات القرن الواحد والعشرين، والذي رفع من مستوى الإقبال على المعرفة الدينيّة، الأمر الذي يُتوقّع معه تراجع هذا الإقبال عند استقرار الأمور.
2 ـ تراجع نسبة فرص العمل المنتِجة لما يسدّ حاجة الإنسان ونفقات أهله وعياله، فإنّ الكثرة العددية في خرّيجي الحوزات من الطبيعي أن يصاحبها تناقص في فرص العمل المنتج اقتصاديّاً، عدا بعض فرص العمل التي تبدو متعبة، كالاستقرار في مناطق أو قرى نائية، خاصّة وأنّ بعضاً من موارد الأخماس والزكوات تشهد تراجعاً ـ ولو محدوداً ـ في مقابل مستحقات كثيرة فرضتها الأيّام. وكلّ المعلومات والإحصاءات تؤكّد أنّ نسبة الميسورين ماديّاً من طلاب الحوزات العلميّة هي ـ عموماً ـ لا تزيد عن العشرة في المائة، وأنّ الكثير من الطلاب يضطرون للعمل في مختلف أنواع العمل الممكنة بهدف سدّ نواقص حياتهم الماديّة، بما في ذلك أعمال لا تنتمي إلى مجال اختصاصهم.
في المقابل، تزايدت فرص العمل وأنواع الاختصاصات الجامعيّة خلال العقود الثلاثة الأخيرة بدرجة عالية جداً، الأمر الذي عزّز المنافسة على هذا الصعيد.
3 ـ ما يصنّف سبباً مناطقيّاً، وهو تراجع النموّ السكّاني في إيران بالخصوص، الأمر الذي أدّى إلى تراجع نسبة الشباب، ومن ثمّ تراجع عدد المنتسبين للحوزات والجامعات معاً، علماً أنّ إيران لوحدها تحتوي ما يقارب المائتي ألف حوزوي في مختلف المناطق.
4 ـ فرض بعض الحوزات مزيداً من الشروط والمؤهلات اللازمة في الطلاب المنتسبين إليها، الأمر الذي قلّص فرص الالتحاق بالنسبة لبعض الناس.
5 ـ شعور العديد من الطلاب الذين التحقوا بالحوزات بأنّها لم تلبّ ما كانوا ينشدونه من علوم للنهوض بمجتمعاتهم دينيّاً، خاصّة الطلاب الذين أتوا من القارات الأوروبيّة والأمريكيّة والافريقيّة.
6 ـ حصول تغيّرات في الصورة النمطية المقدّسة لعالم الدين في المجتمعات الإسلاميّة المختلفة، الأمر الذي خلق إحساساً بأنّ مثل هذا الأمر ربما يجعل الإنسان ـ في بعض المجتمعات على الأقلّ ـ غير مرغوب فيه، أو أنّه فقد بعض جذّابيّته التي كان يملكها. مثل هذا الأمر، وكذلك رقم 2 السالفة الإشارة إليه، يوجب فقدان الأمل بالمستقبل عند الأفراد الذين يودّون الالتحاق أو يريدون الاستمرار في الدراسة الدينيّة؛ لأنّ صورة عالم الدين قد تهشّمت بفعل بعض الأخطاء من جهة أولى، والتشويه المتعمّد من قبل التيارات المعارضة لرجال الدين من جهة ثانية.
إلى غير ذلك من الأسباب العديدة.
السؤال بالنسبة لي: هل تراجع الأرقام هنا هو مؤشر جيّد أو لا؟ وما هي تأثيراته السلبيّة والإيجابيّة على حالة الحوزة العلميّة عموماً خلال العقود الثلاثة القادمة؟ هل كان النموّ العددي المفاجئ والسريع بمثابة حمل ثقيل لم تتمكّن الحوزة من الاستجابة له أو لا؟ هل ستفرض هذه الأرقام على المسؤولين والمشرفين على الحوزات الكبرى والصغرى في العالم التفكير بحلول والتأمّل في الوقائع؟
أسئلة كثيرة تستحقّ التفكير والدراسة، من زوايا: دينيّة، وعلم ـ اجتماعيّة، وسياسيّة، واقتصاديّة، وغير ذلك.. نسأل الله التوفيق لكلّ العاملين في هذا المضمار.
حيدر حبّ الله