السبت 26 ـ 11 ـ 2016م
نقرأ في كتب الفقه الإسلامي كلمات كثيرة حول صلاحية الفقيه أو وليّ الأمر ـ حتى بصرف النظر عن نظريّة الولاية العامّة للفقيه ـ بالمنع عن أشياء أو الإلزام بها، مثل التزاوج بين اثنين قد يؤدّي التزاوج بينهما إلى ضررٍ بدني أو جيني معيّن على المجتمع والأجيال اللاحقة، أو أنّ وليّ الأمر له المنع من إحياء الأراضي الموات أو تحجيرها، إذا رأى أنّ فتح المجال لكلّ من أراد إحياء أرضٍ أن يضع يده عليها، سوف يؤدّي إلى خللٍ في النظام العام، فله أن يتدخّل بالعنوان الثانوي.
كثيراً ما نجد مثل هذه الكلمات في الكتب الفقهيّة عند المسلمين، وينطلق كثيراً من قوانين التزاحم والأولويّات والمصالح والمضارّ ضمن منظومة رؤيةٍ مجتمعيّة غير فرديّة، إلا أنّ هذا المنطق نشعر بعض الشيء أنّه يصاب بالشلل أو ضعفٍ في السرعة عندما يصل إلى بعض الأمور مثل بعض قضايا المرأة، فإطلاق يد الرجل في الطلاق ساعة يشاء ولو من دون مبرّرٍ معقول، لا يُسمح معه بالعنوان الثانوي أن يتدخّل الحاكم كي يوقفه ـ ولو مؤقّتاً، أو في بعض الحالات على الأقلّ ـ لإفضائه إلى مشاكل اجتماعيّة وأزمات أسريّة، ومنع النساء اللواتي يتعرّضن لضغوط كبيرة في الحياة الزوجيّة من المطالبة المنْتِجَةِ للطلاق، لا يقال فيه كثيراً: إنّ بيد الحاكم أن يتدخّل، ولو قيل فتطبيقه يغدو من المستحيلات العمليّة، حتى أنّهم يقولون بأنّ فلاناً المرجع طبّق الطلاق القضائي مرّةً في حياته، أو مرتين، مما يشير إلى مدى ندرة هذه الظاهرة، ومن ثمّ فهناك الآلاف ـ وربما أكثر ـ من النساء يعشن أوضاعاً صعبة للغاية في ظلّ إطلاقيّة مثل هذه الأحكام في بعض الأزمنة، إلى غير ذلك من الأمثلة.
أعتقد بأنّ أحد أسباب هذا الأمر هو الأعراف الاجتماعيّة الصارمة إزاء ما يتعلّق بالمرأة والأسرة، وكأنّ الفقيه أو من يملك سلطة القضاء يخشى دوماً من المساس بقضايا الأسرة والأعراض، مما قد يسبّب له مشاكل في ظلّ بعض الأعراف، ولهذا نجد أنّ بعض المجتمعات التي تخفّ فيها مثل هذه الأعراف يتمكّن الحاكم من الحركة فيها بشكل مريح أكثر، كما رأينا ذلك بالفعل في بعض المجتمعات الإسلاميّة غير العربيّة.
ولكي لا أبدو أنّني أحصر الموضوع بالمرأة، اُشير إلى مثال عكسي وهو ظاهرة ارتفاع المهور بشكل خيالي أو غير متوالم مع الأوضاع الاقتصاديّة العامّة للشباب، بحيث يتحوّل ذلك إلى عرف اجتماعي ضاغط على الشباب، مما يفضي ـ كما في إيران ـ إلى زجّ أعداد هائلة من الأزواج في السجون نتيجة إعطاء الحقّ للمرأة بالمطالبة بالمهر في أيّ ساعة، مع كون المهر باهظاً!
من هنا نقول: الأعراف الفاسدة تجب مواجهتها، ولا يجوز الاكتفاء بالخوف منها، سواء نشأ فسادها من التأثر بثقافات وافدة أم من داخلها ومن رحمها، لا فرق في ذلك، فمحاربة الفساد مفهوم مطلق يتخطّى قضايا الهويّة، وعلينا التعاون ووضع خطط للخروج من هذه المشاكل.
وأشير ختاماً إلى أنّني لا أتحدّث عن الموقف الفقهي الأوّلي من هذه الأمور، فلهذا مجال آخر، إنّما أفرضها مسلّمةً، وأتحدّث عن مجال تدخّل الفقهاء الكبار لسنّ بعض القوانين بالعناوين الثانويّة، تلافياً لأزمات اجتماعيّة حادّة تأخذ بالتفاقم المطّرد، أو رفعاً لقدر من الظلم والقهر الاجتماعي عن إنسانٍ هنا أو هناك، خاصّة عندما يصبح الأمر متعلّقاً بظواهر اجتماعيّة واسعة، بحيث صار بعض المسلمين يتوقون أحياناً للقوانين المدنيّة بغية الخلاص من مشاكلهم، عندما لا يرون استجابة لحاجاتهم ورفعاً لمظلوميّاتهم في القوانين الفقهيّة السائدة، بسبب عدم اجتراح الحلول ولو المؤقّتة للمشاكل الزمنيّة الحادثة، مما يوحي بجمود المعطيات الفقهيّة القانونيّة في هذا السياق.
# | العنوان | تاريخ النشر | التعليقات | الزائرين |
---|---|---|---|---|
161 | هل تتوقّف العناوين الثانوية عندما تمسّ الأسرة أو تكون لمصلحة المرأة؟ | 2016-11-29 | 0 | 2004 |