الأحد 18 ـ 9 ـ 2016م
يعاني إنسان العصر الحديث من الشعور بالوحدة والغربة، وتتهاوى عليه الضغوط النفسيّة، ويتسابق مُجهَداً مع نمط الحياة المعاصرة، وتتجاذبه الكثير من المؤثرات والفواعل، حتى صار الاضطراب والاكتئاب سمة هذا الزمان.
لعلّ واحدةً من أفضل الطرق اليوم لإنقاذ هذا الإنسان ومساعدته، وتخفيف الضغط النفسي الهائل الذي يُجهده ويُضنيه، هو تغييره من الداخل، وخلق روح هادئة وإيجابيّة في نفسه، وتحرير جوهره من المادّة الضاغطة عليه باستمرار، وجعله يرى للحياة معنى، وفي الوجود لذّةً لا ألماً، ليحلّ السلام الداخلي في قلبه حتى لو كانت الحياة من حوله تعيش حرباً لا هوادة فيها.
بإمكان الدين اليوم أن يلعب هذا الدور، فيُلقي على الحياة معنى يبعث في الروح سكينةً وطمأنينة، لست أقول: إنّ الدين فقط وفقط يقدر على ذلك، فلست حريصاً الآن على دعوى احتكار الدين للحلول، كما يحبّ الكثير من المتديّنين، لكنّني حريص على أن أجعل الدين أحد منافذ النور ونوافذ الهواء القادرة على إنقاذ إنساننا المريض اليوم.. إنساننا المأزوم..
ولعلّ أكبر خدمة في هذا العصر يمكن تقديمها للدين هو أن نُنجح مهمّته في إنقاذ الإنسان من الإحساس بألم الوجود وصعوبات الحياة، لكنّ هذا يستدعي إحياء النزعة الروحيّة والمعنويّة في الدين، تلك النزعة التي لا تتجاوز الشرع ولا تُدخل العقل في تخريف أو تهريج، كما أنّه يفرض ضريبةً ليست بسيطةً تتطلّب إعادة موضعة ـ وليس حذف ـ ثلاثيّة (التاريخ، والفقه، والعقيدة)، في مكانها الصحيح، دون تغويلها وتضخيمها حدَّ تجفيف الدين من روحه وقدرته على خلق التسامي المعنويّ للإنسان.
هل يمكن أن ننتج فهماً لا تؤدّي فيه أديان الفقهاء والمتكلّمين ورجالات المذاهب والطوائف إلى إلحاق الضرر بأديان السالكين إلى الله بأرواحهم؟
قال تعالى: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد: 28).
# | العنوان | تاريخ النشر | التعليقات | الزائرين |
---|---|---|---|---|
110 | من أفضل الطرق اليوم لإنقاذ الدين | 2016-09-19 | 3 | 4093 |
السلام عليكم مولانا العزيز -وفقكم الله تعالى لخدمته وخدمة الاسلام-
أنا مستوعب تماما للفكرة التي سطرتها أعلاه واسمح لي باستفسار. تفضلت بالقول:”…لست أقول: إنّ الدين فقط وفقط يقدر على ذلك، فلست حريصاً الآن على دعوى احتكار الدين للحلول، كما يحبّ الكثير من المتديّنين …”. انه من المعلوم أن المتدين بدين يرى أنه هو التفسير السليم للوجود والواقع وما تعتمل فيه من حركة وتفاعلات. ومن المعلوم أيضا أن المتدين -خصوصا المسلم- يرى أن الاسلام وشرعه هو المنهج والطريق السليم و”الوحيد” لسعادة البشرية. فعليه هل ممكن أن تشرحوا لنا بلغتكم السهلة المعهودة كيف تصمد فكرتكم أعلاه مع فهم المسلم لدينه؟ ربما تقولون أن كلامكم منصب على الدين كما يفهمه ويقدمه البشر من فقهاء ومتكلمه وغيرهم, وليس على الدين الواقعي الأصيل, ولكن سياق كلامكم -أيدكم الله- لا يعطي هذا الانطباع بل ما يتبادر للذهن بعد القراءة المتأنية لكلامكم هو أنكم ترون -بشكل واضح- امكانية أن نجد السعادة الروحية والنفسية في مسلك غير مسلك الدين, فهلا تفضلتم بالشرح ولكم كل الدعاء بالتوفيق والسداد ودمتم في رعاية الباري عز وجل.
الأخ العزيز محمد الجنوبي رعاه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اشكر مداخلتك الكريمة، وللتوضيح:
اولا: لو لاحظتم تعبير (الان) لربما اتضح ان المراد انني غير مصر هنا على فكرة الحصر، وهذا يعني انها لو كانت صحيحة فلا داعي للإصرار عليها حاليا، بل يهمنا في هذه المرحلة وامام امواج الإلحاد واللادينية ان نثبت مبدأ النفعية في الدين بالمعنى الإيجابي للكلمة.
ثانيا: لم اقل انني ارفض حصر الخلاص بالدِّين، بل ما رفضته هو حصر رفع أزمة الانسان المعاصر في معضلة الاغتراب والوحشة بالدِّين، وفرق كبير بينهما، ولا دليل على ان الدين اذا نفع في شيء فلا يمكن ان يكون هناك سبيل اخر يمكن ان يقوم بدور الدين فيه دائما، وبعبارة ثانية: لم يدع كلامي أعلاه ان الدين في كل شيء يمكن الحصول على بديل له، بل ما ادعيته هو ان الدين في قضية محددة يمكن العثور على بديل له، خلافا لبعض المتدينين الذين عندما يساهم الدين في حل مشكلة في مكان محدد يفترضون انه العلاج الوحيد دائما لحل هذه المشكلة.
جزيتم خيرا
اخوكم حيدر حب الله
الأستاذ حب الله -جعلكم الله من أحبابه-
كل الشكر والتقدير للايضاحات القيمة التي تفضلتم بها. نسأل الله تعالى أن يأخذ بأيدينا وأياكم لما فيه الصلاح والاصلاح وجعلنا من الداعين الى رفعة دينه ونهج الرسول الأكرم وأهل البيت الأطهار -عليهم الصلاة والسلام- والسلام عليكم.