الخميس ٢٢ – ٧ – ٢٠٢١ م
حيدر حبّ الله
يبدو من العديد من المعطيات التاريخية، خاصة في الموروث المعتزلي، أنّ قاعدة اللطف ترجع إلى القرن الثاني الهجري. بل ثمّة من يعتبر أنّ هشام بن الحكم (179 أو 199هـ) كان قد بحث هذه القاعدة، وأنّ كتابه “الألطاف” يرجع في الحقيقة إليها. غير أنّ إثبات هذا الأمر عسير، إذا لم تتوفّر نسخة من هذا الكتاب أو من ينقل عنه بما يوضح مضمونه، فإنّ طريقة الاكتفاء بالتشابهات الاسميّة للكتب غيرُ كافيةٍ في الكثير من الأحيان.
لكنّ الشيخ جعفر السبحاني يرى أنّ فكرة قاعدة اللطف دخلت إلى علم الكلام الإمامي في القرن الثالث الهجري زمان الفضل بن شاذان (260 هـ)، معتبراً أنّ الفضل بن شاذان ذُكر له في كتب الفهارس كتاب باسم “كتاب اللطيف”( النجاشي، الفهرست: ٣٠٧)، وأنّ هذا العنوان وقع فيه – من وجهة نظر السبحاني – تصحيف، إذ يبدو أنّ العنوان الأصلي هو “كتاب اللطف”(انظر بحث الخارج للسبحاني على الرابط الآتي:
http://www.eshia.ir/feqh/archive/text/sobhani/osool/92/920913/).
ينجم عن تحليل السبحاني أنّ الإماميّة ليسوا مبدعي هذه القاعدة، بل يتوقّع جدّاً أنّهم أخذوها من المعتزلة الذين ينقل رموزهم كالقاضي عبد الجبار، ورموز الأشاعرة والإمامية أنفسهم، ينقلون نقاشات بينهم حول القاعدة في القرن الثاني، خاصّة مع مثل جعفر بن حرب (٢٣٦هـ) وكذلك بشر بن المعتمر (٢١٠هـ)، وهما من كبار معتزلة بغداد الأوائل.
غير أنّ محاولة السبحاني هذه غير مقنعة أيضاً، فإنّ عنوان “كتاب اللطيف” قد نُسب للعديد من العلماء المسلمين أنّهم صنّفوا كتباً بهذا الإسم، فهذا الإسم متداوَل، وهو منطقي جداً، لأنّه من العناوين التفنّنيّة. بل ذكر ابن النديم أنّ أبا جعفر الطبري له كتاب سمّاه ابن النديم: «كتاب اللطيف في الفقه»، حيث قال: «وله مذهبٌ في الفقه اختاره لنفسه. وله في ذلك عدّة كتب، منها: كتاب اللطيف في الفقه، ويحتوي على عدّة كتب على مثال كتب الفقهاء في المبسوط..»(فهرست ابن النديم: ٢٩١).
وهذا يدلّ على أنّ هذا النوع من العناوين كان موجوداً يُستخدم في مجالات مختلفة. ولعلّ كتاب ابن شاذان في الفقه أو في اللغة أو في علم الكلام بعيداً عن قاعدة اللطف. وعليه فلا يوجد مبرّر مقنع لفرضية التصحيف في اسم الكتاب، خلافاً لما تصوّره العلامة السبحاني. والافتراضات المحضة لا سوق لها في الترجيحات التاريخيّة.
من هنا، لا نعرف من هو بالضبط الذي أبدع هذه القاعدة في تاريخ علم الكلام، ومن هو الذي سمّاها بهذا الاسم، لكنّ الترجيح التاريخي يشير إلى مرجعيّة المعتزلة، دون معرفة اسم شخصيّة محدّدة كان لها السبق.
ملاحظة: لا نتكلّم عن فكرة اللطف العامّة، وإنّما عن تلك القاعدة التي تمثل أحد أسس فهم الفعل الإلهي وفقاً للتفكير العدلي.