23 ـ 4 ـ 2013م
بالأمس كنت ألقي محاضرةً عامّة في إحدى كلّيات جامعة المصطفى العالميّة.. كانت حول المنهج القصدي في اللغة ونظرية المفكّر الراحل عالم سبيط النيلي رحمه الله في اللغة الموحّدة والنظام القرآني.. كانت خطوة جيّدة من منظّمي المحاضرة لإثارة أفكار القصديين في عُقر دار خصومهم.. حاولت أن أشرح النظريّة بتبسيط بالغ، وأسير معها فكرةً فكرة سيراً متواضعاً.. ثم أبيّن ملاحظات النقاد عليها..
كنت أتعمّد النظر في الوجوه لأرى فيها ردّات الفعل.. لاحظت أنّه كلما أثرتُ فكرةً للقصديين بعيدة عن المألوف والمأنوس، لم تحكِ لي تقاسيم وجوه الحاضرين عن تفاعل موضوعي.. كان التفاعل غير مناسب، والغريب أنّ ذلك كان يحدث بطريقة غير شعوريّة منهم..
هناك أشخاص عندما تكون الفكرة قريبة من مزاج تفكيرهم العام، فهم يحترمونها حتى لو اختلفوا معها.. وعندما تكون الفكرة بعيدة عن مزاج تفكيرهم العام، فسيبدون ردّة فعل غير شعوريّة أشبه بحركة جفون العين، تتمثل في عدم احترامهم للفكرة.. حتى قبل أن يستمعوا لمبرّراتها من وجهة نظر أصحابها..
بالنسبة لي أقول: يلزمنا الكثير من التدرّب نفسيّاً وأخلاقيّاً ـ في المجال الفكري والثقافي ـ لكي لا يكون مزاج تفكيرنا العام معياراً، بل تكون الأدلّة والمعطيات الموضوعية هي المعيار، ولو فرضت علينا تغيير مزاج تفكيرنا العام.
لست مقتنعاً بالمدرسة القصديّة، وإن التقيت معها في بعض الخيوط، لاسيما في بعض نقدياتها على من تسمّيهم ـ ولا أحبّ هذه التسمية ـ بالاعتباطيين، لكنّني لم أسمح لنفسي عندما أتعامل معها أن أجعل دهشتي من الأفكار سخريةً أو تهاوناً، فلست أنا مقياس هذا العالم!