الأربعاء 19 ـ 10 ـ 2016م
يبدو غير معقول أن نتكلّم عن معصية تقرّب إلى الله سبحانه، فالله لا يُطاع من حيث يُعصى، فكيف تكون المعصية مقرِّبةً؟! بل كيف تكون الطاعة مبعّدة عن الله سبحانه، وهي التي تسمّى بالطاعة، فتوجب القرب منه تعالى؟!
تحدّث عن هذا المفهوم الذي يبدو غريباً بعضُ الأخلاقيّين، ورغم أنّ الجملة تبدو على شكل مفارَقَة، إلا أنّ القصد منها شيءٌ آخر صحيحٌ بل وواقعٌ أيضاً، فقد تدفع معصيةٌ الإنسانَ إلى يقظة، فعندما يقع فيها يجتاحه الندم وتأنيب الضمير، وقد يستيقظ ضميره النائم في تلك اللحظة، وتستنفر نفسه اللوامة، فيكون ذلك بداية التغيير في حياته، وإعادة النظر في كلّ مسلكيّاته ومواقفه وأعماله السابقة.
وقد تجد أهل الطاعة يغترّون بطاعتهم، ويشعرون بشيء من التميّز عن الآخرين، خاصّةً عندما يتحوّلون إلى جماعةٍ وكيانٍ اجتماعي مختلف، فإذا فعل ما هو خير، جاءه إحساس ـ ولو مختفٍ مُسْتَكِنّ ـ أنّه أفضل من غيره، أو دفعه ذلك لتناسي أخطائه في مكانٍ آخر، أو ظنّ نفسه أنّه قام بكلّ ما عليه، ومن ثمّ فلا يوجد شيء آخر عليه أن يضيفه.
قد تخفّف الطاعة عند بعض الناس من الإحساس بالتقصير، وقد تزيد المعصية حالة الندم وترفع من احتماليّات اتخاذ قرار بالتقدّم نحو الإمام وإصلاح النفس أكثر فأكثر، والناس طباع وحالات وأحوال، ولهذا حذّر الأخلاقيّون من العُجب والتقدير المفرط للذات، وحثوا على الثقة والتقدير الإيجابي لها.
أن تكون طائعاً شيءٌ لا يسمح لك أن تتعامل بسلبيّة نرجسيّة وطاووسيّة تكبّرية مع الآخرين، وكما يقول العرفاء: حتى أعصى الناس قد تكون فيه كمالاتٌ يفتقدها أكثرُهم طاعةً، ونقاطُ خيرٍ وإنارة لا يملكها المطيعون. المعصية التي تجلب لك انكسار القلب قد تكون خيراً لك ـ إذا جاز التعبير ـ من الطاعة التي تجلب لك التكبّر وقسوة القلب وأذيّة الناس، أو تجلب لك التدلّل على الله والمنّة عليه، والأمور بخواتيمها.
وكما يقال: معصيةٌ تَذِلّ بها، خيرٌ من طاعةٍ تُذِلّ بها. أو ذنب تَذِلَّ به لديه خير من طاعة تدلُّ بها عليه. ويا ابن آدم ذنبٌ تَذِل به إلينا خيرٌ من طاعةٍ ترائي بها علينا. وربّ معصيةٍ بعدها أجر.. وغيرها من النصوص والكلمات والحكم.
# | العنوان | تاريخ النشر | التعليقات | الزائرين |
---|---|---|---|---|
135 | معصيةٌ تقرّب إلى الله وطاعةٌ تُبعد عنه! | 2016-10-20 | 1 | 2564 |
يقول أبو حامد الغزالي: كلّما ازداد القوس اعوجاجاً أعطى السهم توتُّراً واندفاعاً أكثر ليصيب هدفه، وذلك هو الكمال الذي يخفى في باطن النقص.