الأحد 14 ـ 2 ـ 2021م
هناك كلمة شهيرة منقولة عن المفكّرة الثوريّة الماركسيّة روزا لكسمبورغ (1919م)، تقول فيها: «إنّ أولئك الذين لا يتحرّكون، لا يمكنهم أن يدركوا أنّ أرجلهم مكبّلة بالسلاسل الحديديّة».
الفكرة الرئيسيّة هنا هي أنّه لا يمكنك أن تعرف مستوى الحريّة أو العبودية التي تعيش فيها إلا إذا حاولت أن تتحرّك وتكسر جدار السكون الذي يحيط بك.. في هذه اللحظة ستعرف الصورة الحقيقيّة للواقع.
هذا الكلام يمكن ترجمته على خطّين:
أ ـ الخطّ المجتمعي العامّ: إنّ قياس درجة الحريّة في مجتمعٍ ما أو في فضاء علمي معيّن، رهينٌ بدرجة إحساس المخالفين لهذا المجتمع في الرأي بالحريّة، وليس رهيناً لدرجة إحساس الموافقين بها. إنّ أولئك الموافقين للسلطة يملكون حريّة عالية، فهم ليسوا معياراً لها، لأنّهم ـ بمعنى من المعاني ـ لا يتحرّكون، بل المعيار هم أولئك الذي يعارضونها، هل بإمكانهم أن يقولوا ما لا يروق لها أو لا؟ إنّ السلطة التي تدّعي أنّها تؤمن بحريّة التفكير أو بفتح باب الاجتهاد والنظر، عليها أن تراقب نفسها في نفوس من يخالفها في الرأي؛ فهل هم خائفون منها أو لا؟ هل يمارسون التقيّة معها أو لا؟ هل التملّق والازدواجية والنفاق والمصلحيّة هي الحاكمة في علاقاتهم معها أو لا؟ وقبل أن نعترض على فلان أو فلان أنّه حذرٌ في كلامه دائماً، علينا أن نسأل أنفسنا لماذا هو كذلك؟ ولماذا توجد ظاهرة من هذا النوع في المجتمع؟
هذا معيار مهمّ جداً لرصد مستوى قدرة السلطة السياسيّة أو الدينيّة أو الإعلاميّة أو غيرها على تأمين فضاء من الحريّة الفكريّة المسؤولة.
ب ـ الخطّ الفردي الخاصّ: إنّ الفرد نفسه لا يمكنه أن يدرك أنّه متحرّر إلا إذا نجح في أن يواجه سلطته الداخليّة، وليس المعيار في تحرّره أن يفكّر ويبحث ويتأمّل، فإنّ الفكر والبحث والتأمل نصيب الجميع، بينما التحرّر الفكري هو نصيب ذلك الشخص الذي قدر وأحسّ بمواجهته لفكره، فهل قدر أن يواجهه؟ وهل تمكّن يوماً أن يفكّر خارج صندوقه أو أنّه في كلّ مرّة حاول ذلك خاطبته نفسه بما يوجب القلق والخوف والاضطراب أو أُصيب بنوبة هلع؟
قبل أن نحكم على أنفسنا وعلى الآخرين، علينا نحن أن نتحرّك؛ لنكتشف هل نحن مكبّلون بسلاسل حديديّة أو لا؟
كالعادة يجب عليّ أن أُشير أخيراً إلى أنّني لست بصدد الدفاع عن الحريّة المطلقة ولو غير المسؤولة، لكنّني مهتمّ جدّاً بوضع تعاريف دقيقة للحريّة المسؤولة وغير المسؤولة، حتى لا تذهب الحرية الحقيقيّة ضحيّة شعار الحريّات غير المسؤولة!
حيدر حبّ الله