السبت 22 ـ 10 ـ 2016م
يتصرّف كثيرون في هذا العالم على أنّهم يعيشون لوحدهم، وينسون أنّهم جزء من جسم أكبر منهم، قد تؤثر مواقفهم وتصرّفاتهم في الجسم كلّه، وحريّتك قد تخضع لمساءلة عندما تتصادم مع حقوق الآخرين.
عندما يصدر منك تصرّف ويؤدّي إلى إلحاق الضرر بجارك أو أخيك أو صديقك، ولو لم تكن أنت الفاعل المباشر للضرر، فعليك أن تحسب حساباً أكبر للموضوع، وتوازن أكثر بين المصالح والمفاسد، لتصل إلى النتيجة النهائيّة، فأنت كمن يسير في سفينة وسط البحار ويملك سهماً فيها، ويريد أن يرمي بما يملك من حصّته في هذه السفينة في الماء، بما يؤدّي إلى غرقها وموت كلّ من فيها.
في الفقه الإسلامي والقانون الوضعي يوجد شيء اسمه السبب والمباشر، فقد يقوم زيد ـ وهو مجنون ـ بقتل شخصٍ ما، فنسمّيه المباشر، فيما نجد بعد المتابعة القضائيّة أنّ زيداً هذا إنّما أقدم على هذا الفعل، نتيجة تحريك قويّ مارسه عليه عمرو العاقل مستغلاً جنونه، فعمرو هنا يكون سبباً، وكثيراً ما يتحدّث الفقهاء عن أنّ السبب قد يكون أقوى من المباشر، فيتحمّل ما قد لا يتحمّله المباشر من عقوبات أو ضمانات في بعض الحالات.
عندما تقول أنت كلمةً أو يصدر منك سلوك يفضي ـ ضمن سياق الوضع القائم ـ إلى قتل الآخرين أو سفك دمائهم أو هتك أعراضهم بغير وجه حقّ، فعليك أن ترصد الحسابات بين أهميّة سلوكك وموقفك، وبين حجم الضرر الذي لحق المحيطين بك، والقضيّة لا تُحسب فرديّاً وبشكل انفصالي انعزالي، بل تحسب مجتمعيّاً وبشكلٍ اندماجي أيضاً.
لا أعني بذلك سلب حريّتك دائماً فيما تقول أو تفعل، بل ضرورة إجراء حساب دقيق للمصالح والمفاسد، لتقديم تفسير وتبرير معقول للقضيّة، وهذا معنى أنّ المسلمين مثلاً جسم واحد، فلا يحقّ لأحد أعضاء هذا الجسم أن يُلحق الضرر بعضوٍ آخر؛ لأنّه يريد أن يتصرّف على طريقته، بل لابد له من التأمّل ورصد درجات الضرورة والمصلحة، بل بعض الأمور تبلغ درجةً عالية من الحساسيّة يصبح معها اتخاذ موقف فيها حقّ الجميع ووظيفتهم معاً، ومن ثمّ فمن حقّ الآخرين الذين لحقهم الضرر هنا المساءلة والمحاسبة، وعليك تقديم تبرير، وإلا كنت مُداناً في بعض الحالات على الأقلّ؛ لأنّ القضية ليست مسألة وجهة نظر لا مانع من اختلاف الناس فيما بينهم فيها، ويعذر من يختار وجهة النظر هذه أو تلك، بل لها تأثير ميداني قهري على حياة الآخرين وحقوقهم ووجودهم دون رضاهم.
أعتقد أنّ هذه المسألة يمكن دراستها من زاوية فقهيّة وحقوقيّة وفلسفيّة معمّقة، ولها تفاصيل شيّقة، وهي بالفعل تحتاج إلى ذلك، وتتصل بما بحثتُه في كتابي المتواضع (بحوث في فقه الحج: 215 ـ 232)، تحت عنوان (نظريّة الترابط بين الأفعال).
# | العنوان | تاريخ النشر | التعليقات | الزائرين |
---|---|---|---|---|
138 | لست لوحدك في هذا العالم | 2016-10-24 | 0 | 1572 |