السبت 29 ـ 10 ـ 2016م
يظنّ بعض الناس أنّه إذا لم يمارس الآخرون معه أسلوبَه غير الأخلاقي معهم، فهذا يعني أنّه متفق على حرمته ومكانته، فإذا لم يشكّك الآخرون بعلمه ـ مثلاً ـ فيما شكّك هو بعلم الآخرين، تصوّر أنّ علمَه متفقٌ عليه، وعلمُ غيرِه غير ثابت!
ليست القضيّة كذلك دائماً، بل قد يكون السبب في بعض الأحيان هو قلّة أدبك وأخلاقك مع غيرك وحُسن أخلاق الآخرين معك، فالآخرون غير عاجزين عن التشكيك في علمك أو في هذه الصفة أو تلك فيك، بل لديهم القدرة على كشف الكثير من العيوب وإعطاء الأمور حجمها، لكنّ الأخلاق تمنعهم عن سلوك هذا السبيل، وتقول لهم: ليس كلّ ما يُعرف يُقال، أمّا أنت فقد تخطّيت الأخلاق، بل ربما تكون قد شرعنت سوء الأدب.
أحياناً، إذا لم يشكّك الآخرون فيك ويكشفوا عيوبك وعثراتك، فلأنّهم على خُلُق، لا لأنّك منزّه أو غير مشكَّك به، فلا يغرَّنّك سكوت المؤمن الصالح؛ فإنّما يحجُزُه إيمانه.
وفي الرواية عن الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام، أنّه قال: (والله ما معاوية بأدهى منّي، ولكنّه يغدر ويفجر. ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس، ولكن كلّ غدرة فجرة، وكلّ فجرة كفرة. ولكلّ غادر لواء يُعرف به يوم القيامة..) (نهج البلاغة 2: 180).
ربما يكون رهانك أن تُسقط الآخرين أخلاقيّاً كما سقطت أنت من قَبل، وإن برّرت لنفسك، لكنّ الصالحين لن يجعلوك تهزمهم أخلاقيّاً، حتى لو هزمتهم في الدنيا مادياً وآنيّاً، فسعادة الروح خير عندهم من كلّ شيء (وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (الزخرف: 32).
هذه هي قصّة صراع الإنسان الصالح مع أخيه المفسد، لا يسمح الصالح للمفسد أن يُفسده، ولا يتقمّص نقيُّ النفس شخصيّةَ خصمه الملوَّثة، لكنّه في الوقت عينه يسعى لمواجهة فساده، وهنا تكمن المعادلة الصعبة.
قال تبارك وتعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) (المائدة: 27 ـ 28).
# | العنوان | تاريخ النشر | التعليقات | الزائرين |
---|---|---|---|---|
144 | قصّة أولاد آدم، الأخلاق والحقيقة والفهم الخاطئ | 2016-10-30 | 0 | 1761 |