الاثنين 14 ـ 11 ـ 2016م
يصادف هذا اليوم الذكرى الخامسة والثلاثين لرحيل المفسّر القدير والفيلسوف الكبير العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي رحمه الله. يومٌ يستحقّ التوقّف عنده ونحن على أعتاب اليوم العالمي للفلسفة.
لن أتوقّف عند الإثراء والتبجيل على جهود العلامة الطباطبائي، فهي أشهر من نار على علم، لكن اُريد اغتنام الفرصة للإشارة إلى بعض النقاط السريعة:
1 ـ مع الأسف الشديد، وإلى اليوم، لم يتم ـ في حدود معلوماتي ـ تحقيق وإعادة طباعة المجموعة الكاملة من أعمال العلامة الطباطبائي على غرار ما فُعل مع علماء آخرين، وهذا تقصير كبير من قبلنا في حقّ هذا الأستاذ العيلم.
2 ـ أخبرني ـ منذ سنوات ـ بعض العلماء الذين كُلّفوا مدّةً بمتابعة تراث العلامة الطباطبائي، ومنهم سماحة الشيخ الدكتور محمد علي مهدوي راد، أنّ هناك مجموعة غير قليلة من أعمال العلامة الطباطبائي لم ترَ النورَ بعد، وأنّ هناك نسخة من تفسير الميزان أجرى عليها الطباطبائي قبل وفاته الكثير من التعديلات والتغييرات والحذف والزيادة خاصّة في المجلّدات الأخيرة، ولكنّها مع الأسف يبدو لم ترَ النور بعد، بل أخبرني بعض الأعزّة عن بعض تلامذة الطباطبائي أنّ تعليقات الطباطبائي المنشورة على بحار الأنوار ليست كاملة، فهناك تعليقات أخرى أيضاً ليست قليلة لم ينشرها رحمه الله إثر الضجّة التي تسبّبت بها تعليقاته التي نشرها في حينه، وأنّ هذه التعليقات غير المنشورة موجودةٌ اليوم عند أحد تلامذته على ما قيل، وهذا كلّه يضاعف المسؤوليّة علينا جميعاً للتعاضد في خدمة هذا التراث الكبير، وإخراجه إلى النور ـ وبأكثر من لغة ـ بأفضل حلّة وبكلّ الوسائل المتاحة.
3 ـ يبدو أنّ تبجيل الطباطبائي والتعريف به قد دخل في حالة من المبالغة في بعض الأوساط، حتى كأنّه لا يوجد مفسّر للقرآن غيره، ولم تعرف الفلسفة الإسلاميّة المعاصرة عَلَماً مثله، وقد كُتبت الكثير من الرسائل الحوزوية والجامعية حوله بما فاق الحدّ ودخل في سياق التكرار، ولهذا فنحن بحاجة أيضاً إلى دراسات من نوعٍ آخر تتعلّق بالطباطبائي، مثل الدراسات المقارنة الجادّة، للكشف عن ميزاته ونقاط قوّته وضعفه، فالمقارنة بين تفسير الميزان وتفسير المنار مهمّة جداً وستوضح للقرّاء الكثير من الحقائق عن هذين التفسيرين معاً، وكذلك الكشف عن طبيعة ومستوى دقّة الطباطبائي في معلوماته عن الفلسفة الغربيّة، وهل حقّاً كان خبيراً بها أو لا؟ وإلى أيّ حد؟ هل حقّاً طبّق الطباطبائي نظريّة تفسير القرآن بالقرآن في تفسير الميزان أو أنّه تأثر كثيراً بالروايات في ممارسة تفسير النصوص القرآنيّة مما ورّطته في تأويلات غير مستساغة لها؟ إلى غير ذلك من الموضوعات الكثيرة.
هناك العشرات من هذه الموضوعات التي تحتاج إلى دراسات محايدة ولا تهدف التبجيل فقط، بل تريد اكتشاف الحقيقة التاريخيّة في تطوّر معرفتنا وعلومنا في العصر الحديث. نتمنّى أن يُصار إلى قراءة الطباطبائي بعيون مقارنة من جهة، وبعيون نقديّة إيجابيّة من جهة ثانية، إضافة إلى العيون المؤيّدة والشارحة والمناصرة التي لا نريد حذفها من حلبة التنافس، بل هي صحيحة في نفسها أيضاً.
لا نريد ممارسة قراءات نقديّة للعلامة الطباطبائي من منطلق الخصومة، كما يفعل بعض الإخباريّين المعاصرين وبعض التفكيكيّين الخراسانيّين اليوم، بل نريد النقد من موقع المراكمة المعرفيّة والاستجابة الطبيعيّة للنموّ العلمي.
4 ـ حدّثني بعض من أشرت إليهم أعلاه، أنّ هناك صندوقاً مليئاً بالرسائل كان موجوداً عند العلامة الطباطبائي، وهو الآن متوفّر في يد أحد مراجع التقليد، وربما يكون قد انتقل من يده، ويتضمّن هذا الصندوق فيما يتضمّن مجموعةً من الرسائل التي وجّهت للطباطبائي من قبل خصومه في تلك الفترة، وقد اشتملت ـ كما قيل ـ على تعابير قاسية وعنيفة وقليلة الأدب ومُهينة ضدّه رحمه الله.
بالنسبة لشخصٍ مثلي، أدعو إلى نشر هذه الرسائل لو صحّ هذا الخبر، لتكون وثائق مهمّة في سياق دراسة مرحلة تاريخيّة حسّاسة من عمر الأمّة والحوزات والمؤسّسة الدينيّة، وعدم كتم أو طمر هذه الوثائق الثمينة، فإلى اليوم قليلون هم أولئك الذين يعرفون مظلوميّة الطباطبائي في حياته، وكيف أنّه كان يتمّ التعامل معه بروحيّة سلبيّة من قبل بعضهم، وأنّه اليوم وبعد وفاته غدا علامةً جليلاً، لكنّه عانى من ثقافة النقد السلبي الكثير الكثير.
رحمه الله، وأثابه على صبره وجهده وخدماته أجزلَ ثواب الصالحين، ووفقنا جميعاً لخدمة تراثه الثرّ الثمين.
# | العنوان | تاريخ النشر | التعليقات | الزائرين |
---|---|---|---|---|
156 | في الذكرى السنويّة لرحيل العلامة الطباطبائي، أين نحن؟ | 2016-11-15 | 0 | 2787 |