الثلاثاء 7 ـ 9 ـ 2021م
حيدر حبّ الله
يُنقل عن أنطون تشيخوف (1904م)، أحد كبار الأدباء الروس، قوله: إنّ الفريق الأكثر رعباً من البشر هم أولئك الذي يملكون عقائد قويّة وعميقة وكثيرة، وفي الوقت عينه يكون لديهم فهمٌ محدود جداً ووعيٌ بسيط للغاية، حتى لعقائدهم نفسها.
معنى هذه الفكرة المنقولة أنّ بعض الناس إذا ازدادت علاقته بعقيدته وسط فضاء من الجهل، فإنّه من الممكن أن يتحوّل إلى شخص سلبي وعدواني، وإلى مصدر للخوف والقلق. والسبب في ذلك أنّك لا تقدر على أن تختلف معه أو تتفاهم، بل هو لا يجيد الانتماء لعقيدته. إنّ خطورة الجهل بالعقيدة التي يؤمن بها الإنسان تجعله فريسة نوع من اليقين الأعمى، في مقابل اليقين الواعي. واليقين الأعمى هو يقينٌ لا يفتح علاقة مع مبرّرات وجوده، بل هو أشبه بالذاتي للإنسان، حتى أنّه يتحوّل إلى مدمّر للعقيدة نفسها أحياناً.
من هنا، ليس المطلوب تكريس اعتقاد الناس بالأشياء وفقط، بل من النافع تكريس فهمها لعقيدتها أيضاً فهماً واعياً، وربما هذا ما يفسّر بعض جوانب النصوص الدينية التي تمتدح العالِم في نومه عندما تقارنه بالعابد الجاهل. وربما أيضاً يكون هذا أحد منطلقات بعض مدارس التفكير المعتزلي التي ناضلت لجعل الوعي الاستدلالي بالعقيدة جزءاً من حقيقة الإيمان بها، فلا إيمان من دون وعي استدلالي عندهم بما تؤمن به.
رحلة العلاقة بين الاعتقاد والفهم يمكن أن تكون مخرجاً لحلّ بعض أزماتنا المعاصرة.