الأحد 27 ـ 11 ـ 2016م
كان أحد الأصدقاء بالأمس ينقل لي عن بعض الشخصيات أنّني لم أحسم موقفي في كتاب (حجيّة الحديث)! رغم أنّني من أوّله إلى آخره قد ملأته نقداً وتعليقاً على تراث المتكلّمين والأصوليّين والمحدّثين المسلمين في هذه القضيّة، وخرجت في آخره بنتيجة واضحة، وهي عدم حجيّة الظنّ الصدوري في معرفة الدين مطلقاً، ولو كان السند صحيحاً.
كثيراً ما لا يُعجب بعض المتحمّسين منّا أن تتناول موضوعاً بهدوء؛ لأنّ الهدوء في حساباتهم ليس موقفاً؛ لأنّ الموقف في تجربتهم هو صراخ وعنف؛ لأنّ العنف بات هويّة أفكارنا ومواقفنا وشخصيّاتنا، وهو عنوان عنفواننا وبطولاتنا ورجولتنا!
يثيرني هذا النوع من التصنيف ضمن دائرة القضايا الفكريّة والثقافيّة، عنيت أنّ المواقف الفكريّة تحتاج لعنف؛ فالعنف في اللغة والأسلوب والمضمون، هو معيار الرجولة والموقف في ثقافتنا؛ لأنّ العنف بات معيار كلّ شيء، والمتسامحون لا حياة لهم بيننا، والتعدّديون الحقيقيون يصنَّفون أنّهم لا يملكون مواقف! فلا يكفي عند هؤلاء أن تقول: لم يثبت عندي حجيّة خبر الواحد، ولا أراه يُحتجّ به في الدين، بل لابدّ ـ لكي تكون عندهم صاحب رأي ـ أن تقول: حجيّة خبر الواحد خرافة ومهزلة وجهالة قطعاً ويقيناً وجزماً، إنّها مصيبة لحقت العالم الإسلامي، لعن الله من أسّس لها! هكذا حال الكثير من العرب والمسلمين اليوم يحبّون المفرقعات والتصريحات الناريّة، ولا يهمهم أحياناً أن يقف خلفها عمقٌ بحثي جادّ أو رصيد معرفي تحليلي معمّق؛ لأنّ الظاهرة الصوتية تستهوينا كثيراً، والظواهر العلميّة والعمليّة لا تُغرينا (وأنا أتفهّم مبرّرات وصولنا إلى هذه الحال)، وكلامي في ساحة الفكر والثقافة والبحث، لا في مجال السياسة وتهييج الجماهير لدخول حرب أو نحو ذلك.
لا شكّ في أنّ بعض القضايا قد تحتاج ـ في لحظةٍ زمنيّة ما ـ إلى قوّة وحدّة في اللغة والموقف والأسلوب، لكن أن يصنّف الموقف بلغته فهو أمرٌ غير صحيح، فبعض الناس لا يحتاج منك شيئاً إلا أن تعطي نتيجة وفتوى عنيفة في أمرٍ ما؛ ليضيفوا كلامك إلى رصيدهم، ويستخدموه في المواجهة العنفيّة مع الآخر، هم ليسوا بحاجة إلى إضاءة معيّنة، ولا إلى تعدّد في الاحتمالات والرؤى، ولا إلى نقد الآخر مع اعتباره ـ في الوقت عينه ـ وجهة نظر محترمة؛ لأنّ هؤلاء وإن أبدوا لك أنّهم متجدّدو الفكر والعقل، لكنّهم في بُنيتهم العميقة ليسوا سوى تقليديّين يقيّمون كل شيء وفق ثلاثيّة: الكليّة (مقابل الجزئية أو الغلبة) ـ والثبات والدوام (مقابل الحركة والتحوّل) ـ والإطلاق (مقابل النسبيّة)، فالموقف هو القضيّة التي تختارها وتنتمي في مضمونها وفي لغتها وأسلوبها إلى أن تكون كليّةً دائمةً ثابتة مطلقة قاطعة مدوّيةً نافية لغيرها.
لا تُدار حركة المعرفة والعلم بهذا الأسلوب العنفي الجزمي دائماً، لا يمكن أن تصنّفني بأنّني لا أؤمن بالعلمانيّة إلا إذا سببتها، ولا أؤمن بالإسلام السياسي إلا إذا هجوته، هناك ملفّات تحتاج لنمط آخر من التعاطي.
# | العنوان | تاريخ النشر | التعليقات | الزائرين |
---|---|---|---|---|
162 | بعض الناس تريد مواقف عنيفة لتزيدها إلى رصيدها! | 2016-11-29 | 0 | 2446 |