الأحد ١٨ – ٧ – ٢٠٢١م
حيدر حبّ الله
تتنوّع مناهج دراسة مسألة حُسن البعثة على خطّين أساسيّين:
الخطّ الأوّل: المنهج اللمّي، وقد يعبَّر عنه بالمنهج المثالي، وكذلك المنهج القَبلي، وهو الذي شاع اعتماده بين المتكلّمين المسلمين، وهو يقوم على عمليّة تحليليّة عقليّة خالصة تقارب الضرورات والمصالح من وراء البعثة، وذلك بهدف إثبات حسنها وضرورتها، تمهيداً لإثبات تحقّقها الخارجي.
الخطّ الثاني: المنهج الإنّي ـ وفقاً لتعبير الشيخ مرتضى مطهري ـ أو الواقعي أو البَعدي، وهو منهج ظهر بقوّة في العصر الحديث على مستوى الفكر الديني، واعتمده أمثال المهندس مهدي بازرگان (1995م) في كتابه «راه طى شده».
لا يهدف هذا المنهج تحديد الفعل الإلهي وضروراته، وأنّ الله يجب عليه كذا ويقبح منه كذا.. لتأكيد أنّه بعث أنبياء قهراً ونصب أئمّة جزماً، وأن علينا البحث عن تعيين من بعثه ونصبه، كما هي طريقة الخطّ الأوّل..
لا يهدف هذا المنهج ذلك، لكنّه يحاول أن يقرأ ظاهرة النبوّات عبر التاريخ بعد وقوعها، لينظر في محاسنها وعناصر قوّتها، فيما ينكشف لنا من معطيات، بهدف ترجيحها والانتصار لها، في مقابل التيارات التي ترى أنّ النبوّات حملت ضرراً للبشريّة ومشاكل.
وربما يقال بأنّ جمهور المتكلّمين على مستوى الخطّ الأوّل، لم يستخدموا غير ما استخدمه أنصار الخطّ الثاني؛ لكنّهم حاولوا صياغة الموضوع بطريقة عقليّة قبليّة لا بطريقة استقرائيّة إخباريّة؛ لأنّنا لو تتبّعنا الكثير من كلماتهم وأدلّتهم في مثل هذه الموضوعات، فسوف نلاحظ أنّهم نظروا إلى النبوّات بما لها من تحقّق تاريخي، ولاحظوا ما تتضمّنه، ثم صاغوا على أساس ذلك أدلّةً عقليّة كلية خالصة قبلية، فراجع كتب أمثال الفخر الرازي والقاضي عبد الجبار المعتزلي والخواجة نصير الدين الطوسي.
والفرق الجوهري بين الخطّ الأوّل والثاني يكمن في أنّ أنصار الخطّ الثاني لا يمكنهم ـ بطريقتهم هذه ـ سوى إثبات مبدأ وجود حُسنٍ ما في النبوّات وما فيها من مصالح ومنافع للإنسان، دون ثبوت وجود قبح راجح، ودون إثبات الضرورة؛ لأنّ المنهج التاريخي الاستقرائي التحليلي لا يمكنه هنا أن يثبت الضرورة القبليّة التي تفرض بعث الأنبياء إلا بإضافة معطيات عقليّة، وهذا بخلاف أنصار الخطّ الأوّل الذين صاغوا الأدلّة بطريقة تسمح لهم لاحقاً ـ بغضّ النظر عن الإشكاليّات التي يمكن طرحها عليهم ـ بتحويل الحُسن إلى ضرورة، بناءً على قول من ميّز في هذا الموضوع بين الحُسن والضرورة.
ولمّا كان المتكلّمون العدليّون مهتمّين بمفهوم الضرورة في بحث النبوّات والإمامة وأمثالهما، كان من المتوقّع منهم أن يسلكوا هذا المسلك، فالخطّان يلتقيان في مقدار، ويفترق الخطّ الأوّل مكملاً طريقه في مقدار آخر.