الأربعاء 23 ـ 11 ـ 2016م
هناك ـ بتقسيمٍ ما ـ ثلاثة أصناف من العلماء المشتغلين بالفقه الإسلامي:
الصنف الأوّل: علماء لا يبدو أنّهم يولون ـ في سياق ممارساتهم البحثيّة الاجتهاديّة ـ بالاً أو عنايةً خاصّة بالملفّات الفقهيّة التي تتصل بقضايا المجتمع عامّة، وبإدارة المجتمعات وتنظيم العلاقات، وبالقضايا الجديدة النازلة خاصّة، ولا يُبدون اهتماماً متميّزاً في هذه القضيّة، بل لو تناولوا موضوعاً من هذه الموضوعات ـ مثل مباحث البيع والخيارات ـ لوجدنا أنّ دافعهم في الغالب هو أنّ هذا الموضوع فيه كلام فقهيّ كثير، لا أنّ هذا الموضوع توجد حاجة عظيمة لتناوله اليوم برؤية متجدّدة.
الصنف الثاني: علماء يُبدون اهتماماً واضحاً بالملفّات الفقهيّة العامّة التي تحتاج لبحثٍ اليوم، ولإعادة نظر ولتجديد رؤية، وكثيراً ما يشيرون في كلماتهم إلى ضرورة ذلك وأهميّته، لكنّ نتاجهم الفقهيّ المكتوب والمسموع لا يظهر منه أنّهم يساهمون كثيراً في هذا الأمر.
الصنف الثالث: علماء يُبدون أولويّة واهتماماً بهذه القضايا في دعواتهم العامّة، وفي توجيههم للباحثين، وفي ممارساتهم ونتاجاتهم أيضاً.
ومن الصنف الثالث، أستطيع أن اعتبر المرجع الديني الراحل السيد عبد الكريم الموسوي الأردبيلي الذي توفّي اليوم عن عمرٍ يقارب التسعين عاماً، فالسيّد الأردبيلي واحدٌ من العلماء الناشطين على أرض الواقع، فهو مؤسّس ورئيس جامعة المفيد، التي تعدّ من أبرز الجامعات في مدينة قم، والتي احتضنت نخبةً من رموز الباحثين في إيران، وهو أيضاً الرئيس الأسبق للسلطة القضائيّة في إيران، قبل وفاة الإمام الخميني، وكان من أبرز الذين اشتغلوا على سنّ قوانين العقوبات الجزائيّة والجنائيّة، وكذلك الأحوال الشخصيّة، بما يوافق بينها وبين الشريعة الإسلاميّة.
الشيء اللافت في أعمال السيد الأردبيلي أيضاً أنّه بعد عودته إلى قم عقب وفاة الإمام الخميني، اشتغل على تقديم إنتاج فقهي يتصل بالهموم التي كانت تشغله على مستوى الإدارة المجتمعيّة والقانونيّة، فكتب سلسلةً من الأعمال الفقهيّة التي نشر أغلبها، والتي يظهر من عناوينها مدى اهتمامه بالأداء البحثي الفقهيّ في ملفّات صارت لها ضروراتها اليوم، فمن كتبه:
1 ـ كتاب الحدود والتعزيرات، في أربعة مجلدات.
2 ـ كتاب القضاء في مجلّدين.
3 ـ فقه الديات.
4 ـ فقه القصاص.
5 ـ فقه الشركة والتأمين.
6 ـ فقه المضاربة.
7 ـ فقه الشهادات.
8 ـ الرسائل الفقهيّة (وفيه بحث مجموعة موضوعات مثل التلقيح الصناعي، والربا، وذبائح أهل الكتاب وغير ذلك).
9 ـ أربع مجلّدات في الاقتصاد الإسلامي.
10 ـ كتاب في الردّ على البهائيّة.
هذا كلّه، إضافة إلى حاشيته على الخيارات، ورسالته العمليّة بأكثر من لغة، وتقريراته الفقهيّة والأصوليّة لأبحاث أساتذته كالسيديّن الحكيم والخوئي وغيرهما، وتدوينه لدورة أصوليّة. وغير ذلك.
يُصنّف السيد الأردبيلي على أنّه من فقهاء ما يُعرف بالتيار الإصلاحي في إيران، وكانت له رؤيته السياسيّة والاجتماعيّة، وكانت له آراؤه الفقهيّة المختلفة، ولعلّ من أبرزها اجتهاده في قضيّة الارتداد، وهو لا يرى فيها الفهم الإطلاقي السائد في الفقه الإسلامي.
رحمه الله، وتغمّده بواسع رحمته، وأسكنه الفسيح من جنّاته، وحشره مع من يحبّ ويتولّى من الأنبياء والأولياء والصالحين، وحسُن أولئك رفيقاً.