السبت 12 ـ 11 ـ 2016م
ما زالت مناطق عدّة من العالم الإسلامي تتعامل مع المرأة المتوفّى زوجها على أنّها بضاعة ما تزال مسجّلة في حسابات زوجها المتوفّى، فمن الصعب عليها أن تتزوّج غيره، ويجب عليها أن تبقى رهينةً لتلك الزيجة التي عقدتها في حياتها، حتى تنتقل إلى قبرها وتذهب إلى آخرتها.
لا يوجد شيء في الشرع والقانون من هذا النوع، لكنّها الأعراف التي تفرض وضعاً من هذا القبيل، وتحاول أن تسمّيه وفاءً وإخلاصاً، بل وقد تتعامل مع هذه المرأة إذا فكّرت في الزواج بنظرةٍ سلبيّة، دون أن تأبه هذه الأعراف لحاجات هذه المرأة الجسديّة والنفسيّة والروحيّة، خاصّةً لو رحل زوجها وهي في مقتبل العمر والشباب.
قلّما تسمع أحداً يحارب هذه العادة أو الثقافة أو العرف في الأماكن التي تهيمن فيها هذه الأعراف على الناس، وقد تراجعت هذه الأعراف كثيراً في العقود الأخيرة، لكن لم يكن سبب تراجعها هو الوعي الديني عند الناس، ولا أظنّ أنّ سببه سعي الخطاب الديني لمواجهة الظواهر الاجتماعيّة غير الصالحة، رغم أنّ الفقه الإسلامي لا يؤمن بهذا الإجحاف أبداً، إنّما حصل ذلك نتيجة الحركة النسويّة ـ الواعية أو العفويّة ـ التي تنتشر في العالم الإسلامي، بتأثيرٍ من الثقافة الغربيّة المعاصرة.
إذا امتنعت هذه المرأة عن الارتباط بأيّ رجل آخر بعد زوجها الراحل، حبّاً لزوجها وتعبيراً عن الوفاء له، فهذا حقّها وشأنها، وهو ما نحترمها عليه ونقدّره فيها، لكن المهم أن لا يكون سبب امتناعها هو الحظر الاجتماعي الضاغط، ويصبح من واجبنا جميعاً ـ في سياق نشر الوعي العام ـ أن نعينها على مواجهة هذا الحظر الاجتماعي؛ لأنّ هذا قد يصدق عليه عنوان معونة الآخرين ومساعدتهم، ورفع الظلم والحيف والجور عنهم، وهو عنوان مطلوب في الشرع ومرغوب إليه في الأخلاق والقيم.
في ظلّ نهر الدم الجاري اليوم في العالم الإسلامي، تصبح ظاهرة الأرامل واليتامى أشبه بالقنابل الموقوتة التي قد تنفجر في أيّ وقت، لتشكّل أزمةً اجتماعيّة وأخلاقيّة وأمنيّة حادّة، بل قد حصل ذلك في غير مكان. ومن يريد أن يحصّن المجتمعات من الانفجارات الاجتماعيّة والانهيارات الأخلاقيّة والتوتر الأمني نتيجة ارتفاع معدّلات الجرائم، لا يكفيه أن يقدّم الأموال للأرامل واليتامى؛ لأنّ هؤلاء ليسوا مجرّد أجساد تحتاج للأكل والشرب والملبس والمسكن فقط، بل أرواح لها حاجاتها النفسيّة والروحيّة والاجتماعيّة والعلائقيّة التي علينا المساعدة لتأمينها في سياق نشر ثقافة وعي صالحة وصحيّة.
عندما تتحدّث النصوص الدينيّة عن الترغيب في المسح على رأس اليتيم، فهذا يعني أنّ اليتيم لا يحتاج إلى المال فقط، بل يحتاج للعطف والحنان أيضاً، فله حاجات نفسيّة يجب الاستجابة لها، حتى لا يتحوّل نتيجة الجوع العاطفي إلى خطر يُحدق بالمجتمع عندما يكبر، أو مجرم يريد الانتقام والثأر مما فقده في صغره.
لا يقلّ هذا الموضوع أهميّةً عن مسألة غلاء المهور التي تعيق الكثير من الزيجات اليوم، وتعقّد إمكانيّة بناء الأسرة، وتخلّف أزماتٍ حادّة عند الانفصال، فكلّ الأعراف والثقافات التي تعيق حصول هذه الزيجات، تساهم ـ من حيث شعرت أو لم تشعر ـ في نشر التوتر في المجتمع، ولا تعمل على نشر الاستقرار فيه.
# | العنوان | تاريخ النشر | التعليقات | الزائرين |
---|---|---|---|---|
155 | المرأة الأرملة وقانون السجن المؤبّد! | 2016-11-14 | 0 | 1699 |