حيدر حبّ الله
الجمعة ١٦ – ٧ – ٢٠٢١م
ربما يمكننا القول بأنّ علم الكلام الإسلامي قد بني على محورية الله، فهو حديث في وجود الله وأسمائه وصفاته (التوحيد والعدل)، وأفعاله (النبوة والإمامة والوعد والوعيد والمعاد وغير ذلك)، حتى أنّ بعض العلماء المعاصرين جعل نظريّة ولاية الفقيه من قضايا الكلام، انطلاقاً من انتمائها لدائرة الفعل الإلهي. وقد كانت لي مناقشة نقديّة لهذا الموضوع بالخصوص (كلاميّة موضوع ولاية الفقيه) في كتابي: فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
إنّ جعل الله محور علم الكلام كانت له فوائد متعددة، غير أن نصيب غير الله من البحث المحوري كان أقلّ، ولم يكن في الواجهة، بمعنى أن قضايا من نوع النبوّة والإمامة وأمثالهما لا تدرس من زاوية الفعل الإلهي منفصلاً عن دراستها من زاوية كونها تنتمي لقضايا إنسانية، فعندما يقول المتكلم بأن بعثة الأنبياء ضرورية، لحاجة الاجتماع البشري إليها، فهي واجبة على الله أو منه أو عنه، وفقا لتنوّع تعابيرهم، فهذا يعني أن أساس التحليل هنا هو أساس إنساني، بمعنى تحليل مديات حاجة الإنسان، الفرد والجماعة، للاتصال الوحييّ بالغيب، وهذا ما يكشف لنا أن خلف استدلالات المتكلّمين توجد رؤية حول الإنسان من حيث وجوده وحاجاته ومكوّناته وهويّته وخصائصه وغير ذلك، فعلم الإنسان هو بنية تحتيّة لعلم الكلام في الملفات المتصلة بالإنسان نفسه، الامر الذي يسمح لنا، من جهة، بتقسيم علم الكلام إلى: علم كلام إلهي، وعلم كلام إنساني.
وفقاً لذلك، فإنّ علم الكلام مطالب أكثر اليوم في ظلّ تطوّرات العلوم المرتبطة بالإنسان، كعلم النفس والاجتماع والانثروبولوجيا وفلسفة التاريخ وغير ذلك، أن تكون له قراءته الواضحة المستدلّة والمعقولة والمرفقة بالشواهد.. للإنسان وهويّته.. بدل بعض الانطباعات المحلية والموروثة مناطقياً أو تاريخيّاً.
هذا يعني أن تطوّر قراءة علم الكلام للإنسان، وعمق وجديّة هذه القراءة، له تأثير كبير في القسم الإنساني من علم الكلام، فلم يعد المتكلم قادراً على بناء منظومة كلامية في النطاق الإنساني دون رؤية جادّة حول الإنسان نفسه، ودون تدوين “علم الإنسان الكلامي” الذي يفتح على منجزات العصر ويحاورها، فالعلوم الإنسانيّة بما هي حقل معرفي تعتبر أساساً من أسس علم الكلام، وهذا لا يعني أنّ واقع العلوم الإنسانية الحاضر هو حقيقة يجب أن يتكيّف معها علم الكلام، بل بالعكس، عليه أن يقدّم قراءته لقضاياها الأساسيّة التي تشكّل رؤية فلسفية للإنسان وهويته وطبائعه، وهي قراءة قد تلتقي وقد لا تلتقي، لكن المهم أن تكون قراءة منتَجَة اليوم، وليست مجرّد تكرار عقيم لمنجزات الماضي، وكأنّ البشر لم يعرفوا تطوّراً ما في المجال الإنساني يجب خوض حوار حقيقي معه، وليس تبعيّة عمياء ولا كيديّة أيديولوجيّة.