الجمعة 28 ـ 10 ـ 2016م
تشرّفت قبل حوالي العشرين عاماً بالحضور في درس بحث الخارج الذي كان يُلقيه السيد تقي الطباطبائي القمّي رحمه الله، على طلابه في حيّ الصفائيّة في مدينة قم، وكان درساً يحضره عددٌ قليل من الطلاب، وإذا لم تخنّي ذاكرتي فقد كان في فقه الإجارة في الشريعة الإسلاميّة. لم أوفّق للحضور أكثر من يومين أو ثلاثة، حيث تركتُ الدرس عنده ولم أستمرّ معه، كما هي الطريقة الحرّة في الدراسة العليا في الحوزة العلميّة، والتي يحاول الطالب فيها أن يختار الاُستاذ الذي يجد نفسه منسجماً أكثر مع فكره أو مع مضمون طرحه أو مع أسلوبه أو غير ذلك من العناصر التي تختلف من طالبٍ إلى طالب آخر، دون أن تضرّ بالضرورة بقيمة الاُستاذ أبداً؛ لأنّ الأمزجة تختلف وتتخلّف كما يقولون.
يُعدّ السيد تقي الطباطبائي القمّي رحمه الله من التلامذة المعروفين للمرجع الديني الراحل السيد الخوئي (1413هـ)، وكان من الناهجين في الاجتهاد الفقهيّ على نهجه متأثراً به كثيراً. ولهذا لمّا نطالع كتابَه (مباني منهاج الصالحين) المؤلّف من عشرة مجلّدات في طبعته الثانية التي صدرت عام 1429هـ، فنحن نلاحظ فيه الكثير من المناقشات للمشهور الفقهي والاختلاف معهم، بصرف النظر عمّا إذا كانت هذه المناقشات ستُفضي به إلى فتاوى مختلفة في مرحلة الإفتاء أو لا، وقد حاول في نهايات عمره ـ كما سمعت ـ أن يوسّع ويجدّد في هذا الكتاب المشهور، ولم يتسنّ لي الاطّلاع على التعديلات الجديدة التي كتبها في بعض المجلّدات على الأقلّ، ولعلّه عدّل أو غيّر.
لكنّ السيّد القمي يعدّ متحفّظاً جداً على مشاريع النقد والتجديد الديني، ولديه توجّه مذهبي صارم تجاه المختلفين معه في المذهب أو حتى داخل المذهب، ومواقفه من بعض الرموز التي اُثير حولها جدل في التسعينيّات من القرن الماضي متشدّدة جداً، وكانت له تحفّظاته أيضاً على المشروع السياسي الإسلامي عموماً، وهو في هذا كلّه يصدر عن وجهة نظر، ويستند إلى رؤية تمثل اجتهاداً من الاجتهادات.
ولأنّني حضرت عنده هذه الأياّم القليلة جداً، أحببت أن أفِيَ له فيما تعلّمته فيها، وأن أفِيَ له فيما استفدته منه في كتابه الفقهي الكبير، الذي كان يُحيلنا عليه اُستاذنا السيد محمود الهاشمي ـ حفظه الله ـ في بعض الأحيان في إطار عملنا في موسوعة الفقه الإسلامي، ولا أعرف تقويمه النهائي له..
هذا كلّه، رغم أنّني أتحفّظ كثيراً على منهج السيد القمّي في الاختلاف، وعلى رؤيته للعلاقات داخل المذهب الواحد وبين المذاهب الإسلاميّة، وأجد نفسي بعيداً غاية البعد عن طريقته في التفكير في القضايا التي من هذا النوع، وفي قضايا التجديد الديني والرؤية الواسعة للدين.
رحمه الله، وتغمّده بواسع رحمته، وحشره مع من يحبّ ويتولّى من الأنبياء والأولياء والصالحين، وحسُن أولئك رفيقاً.
# | العنوان | تاريخ النشر | التعليقات | الزائرين |
---|---|---|---|---|
143 | السيد تقي القمّي في ذمّة الله | 2016-10-29 | 0 | 2620 |