الثلاثاء 16 ـ 2 ـ 2021م
لا يكاد من السهل معرفة ما هي السياسة الخارجية التي تتبعها الحوزات العلميّة في العالم وفي الحواضر الكبرى، فليس هناك رؤية مدوّنة يمكن البناء عليها، بل الباحث الناظر عليه أن يدرس المسلكيّات ويحلّل الأداء ويجمع المواقف من الوقائع والأحداث، ليكتشف من ذلك السياسةَ الخارجيّة، فما هي أصول السياسة الخارجيّة المرسومة للعلاقة مع المذاهب الأخرى في العالم الإسلامي؟ وما هي معالم السياسة الخارجيّة في العلاقة مع الأديان الأخرى؟ مع الدول والحكومات الدينيّة وغير الدينيّة، المسلمة وغير المسلمة؟ مع الثورات والانقلابات؟ مع التيارات الفكرية الحادثة التي تتوسّع اليوم؟ مع القواعد الشعبيّة المؤمنة؟ مع التيارات والأحزاب السياسيّة الإسلاميّة وغير الإسلاميّة؟ ومع الاصطفافات المتنوّعة التي يشهدها العالم الإسلامي اليوم؟ إلى غير ذلك.
من هنا، أقترح على طلاب الحوزات والجامعات المهتمّين بمثل هذه الموضوعات، أن يخصّصوا بعض رسائل الماجستير وأطاريح الدكتوراه لدراسة هذا المشهد، وتعيين البنود غير المنصوصة لمعالم السياسة الخارجيّة في الحوزة العلمية، وهو ما يمكن دراسته أيضاً بشكل مصغّر.. مثلاً: الحوزة العلميّة في قم وأداء السياسة الخارجيّة، أو الحوزة العلميّة في النجف وأداؤها الخارجي.. وهكذا. بل يمكن إجراء مقارنات: هل كان أداء هذه الحوزة أو تلك على هذا الصعيد أفضل؟ وأين؟ على سبيل المثال ثمّة من يعتبر اليوم أن زيارة البابا فرانسيس المرتقبة للمرجع الديني الكبير السيد علي السيستاني، هي بمثابة إنجاز تاريخي لمرجعيّة النجف وقدراتها التواصليّة، على عكس حوزة قم التي تتجاذبها أطراف وأقطاب مختلفة لا تسمح لها بانفتاحات من هذا القبيل.. هذا مثال يمكن دراسته وتقويمه بتأنّ وموضوعيّة للخروج بنتائج مفيدة.
غالب الظنّ أن جيلاً من هذا النوع من الدراسات يمكنه أن يوضح الكثير من الصورة من جهة، ثم يسمح لنا في المرحلة التالية بإجراء تقويمات حول السياسة الخارجية وأنّها هل تحتاج لتعديل أو لا؟ وأين تكمن عناصر قوّتها وضعفها؟ وما هي متطلّبات المرحلة القادمة؟ وغير ذلك.
كلّنا أمل بجيل من الشباب الحوزوي والجامعي المنفتح في أعماله وكتاباته على موضوعات حيّة من هذا النوع، يمكنها أن تساعد في نضوج قراءتنا للأمور وتجويد الأداء.