الجمعة 4 ـ 11 ـ 2016م
كثيراً ما نصاب بالدهشة والصدمة نتيجة تصرّفٍ صدر من شخص لم نكن نتوقّع صدوره منه، فشخصٌ كنّا نأمل منه شيئاً، لكنّه صدمنا وأدهشنا بأنّه أقدم على خطوةٍ غير متوقّعة منه، وهذا أمرٌ كثيراً ما يحصل في حياتنا اليوميّة وعلاقاتنا الشخصيّة، وفي رؤيتنا الاجتماعية و.. للكثير من الناس.
هذه الدهشة يمكن تبريرها في بعض الحالات دون بعض، فإذا لم يكن هذا الفعل أو تلك الخطوة من هذا الصديق أو هذا الشخص متوقّعاً منه حقّاً، بحيث لم يكن منسجماً مع تاريخه وتجاربه السابقة معنا أو مع غيرنا، ففي هذه الحال يمكن تفسير هذه الدهشة وتبرير هذه الصدمة التي نحسّ بها.
أمّا إذا كنّا نرى هذا الشخص يتكرّر منه صدور مثل هذه الأفعال مع غيرنا على الأقلّ، فكلّما تكرّر منه ذلك لزم علينا أن نتوقّع منه هذا التصرّف مرّةً جديدة حتى معنا، ومن ثمّ فإنّ هذه الدهشة تصبح بلا معنى، بل قد تعبّر عن ضعفٍ في وعينا الاجتماعي وخبرتنا الحياتيّة، وتوقّعاتنا المستقبليّة لتصرّفات الآخرين.
كثيراً ما يُصاب بالدهشة الخاطئة أولئك الأشخاص المثاليّون في حياتهم أو أولئك الذين ينظرون للآخرين بمثاليّة عالية، فيتوقّعون منهم أكثر مما يُتوقّع حقيقةً. إنّ الآخرين يعيشون في إطار المصالح والتوازنات في حياتهم، وعلينا أن نعي أنّ مصالحهم سيقدّمونها ـ عادةً ـ على أيّ شيء، وليس المهم هنا وجود تبرير أخلاقي عندك لهذا التصرّف منهم أو عدم وجود تبرير أخلاقي كذلك؛ بل المهم أنّه من المتوقّع صدور هذا الفعل منهم أو لا؛ لأنّ التبرير الأخلاقي ليس مسألةً عصيّة عندما يريد الإنسان أن يخلعه على تصرّفاته نتيجة العناوين الثانوية والمصالح العليا والضرورات القاهرة وغيرها، فليس كلّ فعلٍ غير أخلاقي عندك، هو كذلك في نظر صاحبه.
وينتج عن هذا كلّه، أنّه عندما نعي الآخرين جيّداً ونفهمهم داخل سياقهم، وندرك شبكة العلائق والمصالح المبرّرة أخلاقيّاً عندنا أو غير المبرّرة كذلك، فسوف نعي جيّداً أنّ فلاناً ما كان يفترض من الأصل الرهان عليه، حتى لا نخسر هذا الرهان، فالوعي الاجتماعي يدلّنا على أنّ هذا الرهان أفضل من ذاك، وأنّ رهاننا على فلان أو فلانة هو رهان خاطئ وناتج عن قلّة معرفة أو قلّة وعي بمسيرته الزمنيّة وأولويّاته وشبكة مصالحه وعلاقاته ونمط قراءته للأمور.
إذا أردت أن تسير في حياتك بخطواتٍ ثابتة قدر المستطاع، فلا تجعل رهانك على حصانٍ خاسر، لم تجده في لحظات الشدّة السابقة، بل كان يخذلك على الدوام، وعليك أن تعي الآخرين جيّداً في فضاءاتهم، وتتخلّى عن المثاليّة المفرطة في توقّعاتك منهم، ومن ثمّ عليك أن تتحرّر مسبقاً من كلّ حصانٍ تكون هذه حاله.
# | العنوان | تاريخ النشر | التعليقات | الزائرين |
---|---|---|---|---|
148 | الدهشة والوعي الاجتماعي و.. | 2016-11-05 | 0 | 1952 |