الاثنين 22 ـ 2 ـ 2021م
اعتدنا عندما نتحدّث عن دراسة الدين أن نتكلّم عن الحوزات العلميّة والمعاهد والجامعات الدينيّة، بوصفها الجهة المختصّة بالدراسات الدينيّة، ومن ثمّ فالدراسات الدينيّة هي وظيفة المنتسبين لهذه المؤسّسات والمدارس والجامعات.
هذا صحيح، لكن ما أريد أن أتحدّث عنه هنا هو أنّ هناك شريحة من الشباب المؤمن يمكن أن تدخل في دائرة الدراسات الدينيّة رغم عدم انتسابها لهذه المؤسّسات التعليميّة، وهي في الغالب الشريحة المعنيّة بدراسات العلوم الإنسانيّة، كعلوم النفس والاجتماع والانثروبولوجيا والسياسة والتاريخ والآثار والحفريات واللغة والأدب والفنّ والموسيقى والقانون والأديان المقارنة والإعلام والفلسفة بفروعها، فهذه العلوم بمقدورها اليوم أن تتناول القضايا الدينية من منظورها.
ما أعنيه هو أنّ جيلاً من الشباب الجامعي المؤمن يمكنه أن يقدّم مساهماته في فهم الدين من هذه الزوايا التخصصيّة، محاولاً تحقيق هدفين:
أ ـ إثراء الساحة الدينيّة بدراسات حول الدين من زوايا لا تَعرف أغلبَها في العادةِ الحوزاتُ العلميّة؛ لأنّها خارج اهتمامتها الأوّليّة وفقاً لبرامجها الدراسيّة.
ب ـ محاولة تقديم قراءة للدين من زاوية هذه العلوم لا تسعى لتصفية حساب مع الدين أو تنطلق من مصادرة نفيه، بل تتعامل معه ـ في الحدّ الأدنى ـ بحياديّة. لا نريد فرض أيديولوجيا دينيّة على العلوم الإنسانيّة (خاصّة وأنّني شخصيّاً لا أؤمن بمشروع أسلمة العلوم بشكله المتطرّف الذي يطرح اليوم في غير مكان)، لكنّنا لا نقبل بفرض أيديولوجيا علمانيّة عليها، فلتُترك الأبواب مفتوحةً في هذه العلوم لمزيد من التطوير وتنوّع القراءات.
من هنا، دعوتي المتواضعة ـ بوصفي طالباً معنيّاً بالدراسة الدينيّة ـ هي لإخوتنا من طلاب الجامعات في العلوم الإنسانيّة من الذين يؤمنون برسالة الدين من حيث المبدأ، أن يقدّموا مساهماتهم ويختاروا العناوين التي تطوّر الوعي الديني وتقدّم قراءات بديلة للدين في وسط العلوم الإنسانيّة، فهم معنيّون بالدراسة الدينيّة من زاوية العلوم الإنسانيّة، وهذه في تخميني وظيفة إيمانيّة تجمع بين إيمانهم وعلمهم دون تحيّزات مغلوطة.
ولهذا السبب دعوتُ سابقاً طلاب الحوزات الدينيّة أن يلتحقوا بالجامعات أيضاً، ليس لأجل عُقدة كما يتصوّر بعضُنا، بل لأنّه لا يمكن اليوم تحقيق استمراريّة دراسة الدين دون وجود أجيال جامعيّة متخصّصة داخل الحوزات العلميّة، هذا كلّه شرط أن تكون الجامعات التي ينتسبون إليها جامعاتٍ منفصلة عن الحوزة، بمعنى أنّها ليست في جوهرها حوزات، فهذا لن يخدمنا؛ لأنّه ليس المهم لنا هو العناوين والمناصب (دكتور ـ بروفيسور..)، بل المحتوى الذي يعرّفني على العلوم الحديثة الإنسانيّة من مصدرها وجوهرها وداخلها وفضائها الفكري ومناخها الثقافي.