السبت 5 ـ 11 ـ 2016م
التنمّر أو الاستئساد ظاهرةٌ شائعة في الحياة الاجتماعيّة، يعاني منها التلامذة في المدارس والجامعات، كما يعاني منها الموظّفون في العمل، ويعاني منها أكثر من فرد من أفراد الأسرة. وهناك كتابات كثيرة حول هذا الموضوع بهدف دراسة أسباب هذه الظاهرة وطرق علاجها.
يبدو لي أنّ التنمّر ظاهرة موجودة أيضاً في الحياة الدينيّة، واليوم نحن نشاهدها بوضوح في أكثر من مرفق ومكان. أشخاصٌ ـ من رجال دين أو نافذين دينيين أو غيرهم ـ يتلذّذون بالقمع والتنكيل والإزعاج، وفرض الرهبة والتدخّل في كلّ شيء، والتحكّم في أعصاب الآخرين، وممارسة مختلف أشكال التهديد والوعيد، واستخدام الصياح والنبرات العاليّة في الخطاب، واللغة النقديّة الجارحة والساخرة، والرغبة في تدمير الآخرين وتحقيرهم، والكشف دوماً عن مواطن ضعف شخصيّة فيهم، واقتحام أماكن نشاطهم لتشكيك الآخرين بهم، وممارسة إقصاء متعمّد ضدّهم بمحاولة عدم استقدامهم للحياة العامّة والدينيّة، والعمل دوماً على تخفيف وهج منجزات الآخرين بهدف تقديمها للرأي العام على أنّها سطحيّة أو غير مهمّة، ولا تحمل قيمةً أبداً، وأنّ ما يقوله المتنمّر هو حقيقة واضحة لا لُبس فيها ولا شكّ، وأنّها مما لا يختلف فيه اثنان ولا يتناطح فيه عَنزان، وغير ذلك مما يمارسه المتنمّرون في الحياة العامّة.
يقبع خلف التنمّر في كثير من الأحيان شعورٌ عميق بأزمة نفسيّة عند المتنمّر نفسه، فإما هو خائف قلق يهرب للأمام أو هو يفتقد إلى الإحساس بقوّته فيتكلّف لممارستها ضدّ الآخرين الذين يبدون مسالمين أو غير عنيفين، ولهذا يحبّ المتنمّر الاستفراد بضحاياه الضعفاء الذين يشعر بأنّهم ينكمشون بمجرّد ممارسته لأساليبه في التنمّر ضدّهم.
من الضروري اتخاذ مجموعة من الخطوات لمواجهة التنمّر في الحياة الدينيّة منها:
1 ـ الدفع بالمتنمّر لينفذ أقصى ما يمكنه من تهديد، قل له: افعل ما تشاء ونفّذ كلّ تهديداتك، فإنني لا أخشاك، وهذا لكي نثبت له أنّ كلّ تهديداته عاصفة في فنجان، والجهد لإظهار كلّ ما توعّد به على أنّه أمرٌ غير مؤثّر فينا. بل قد يكون مفخرة لنا. وبعبارة أخرى: يجب إيصال المتنمّر إلى مرحلة يشعر فيها بأنّنا نقوى ـ ولو داخل جماعاتنا ـ نتيجة تنمّره، وأنّه عاجز عن إخافتنا، وأنّنا نتقبّل بكلّ رحابة صدر التضحية ببعض الأمور ولحوق الخسارة بنا على بعض الصعد، وأنّ هذا شيء نتوقّعه ولا نتألّم منه.
2 ـ الإعلان بصراحة أنّنا نعارضه ونستنكر فعله، ونرفضه ولن نرضخ له، لكن التعبير السجالي والعنيف عن هذه القضية يمكنه أن يقدّم للمتنمّرين مادّةً دسمة؛ لأنّ الكثير منهم يعتاش على توافه الأمور وعلى المساجلات والمناقشات الطويلة التي لا طائل من ورائها، ويراهنون على وقوعنا في أخطاء أخلاقيّة على المستوى الشعبي العام.
3 ـ أكبر تهديد يواجهه المتنمّر ويُشعره بالإحباط أن تتقدّم أنت في عملك ونشاطك رغم كلّ تنمّره، فلا توقف أيّ مشروع يدرّ عليك الخير والربح والنفع، ولا تأبه لكلّ تنمّره، فعندما يراك تتقدّم بهدوء رغم كلّ التنمّر يزداد إحباطاً. أمّا إذا انشغلت به فقط فهذا قد يكون من دواعي سروره، فأظهر له أنّك أكبر منه، وأنّ رياحه العاتية لا تؤثر في استمراريّة عملك ومشاريعك.
4 ـ من الضروري للغاية أن نظهر للمتنمّر دوماً أنّ كلامه مشكوكٌ فيه، وأنّه ليس أمراً مسلّماً، وأنّ مسلّماته التي يريد فرضها علينا غير مسلّمة، وأنّ عليه هو أن يدافع عنها، وليس علينا أن ندافع عن شكوكنا تجاهها، لا تسمح للمتنمّر في الحياة الدينيّة أن يسائلك أنت فقط، بل اجعله هو يخضع للمساءلة ويقدّم الأدلّة على دعاويه، هذا موضوع مهمّ جداً، ولكنّه يحتاج لحنكة عالية في إدارة الأزمة. دائماً اجعل المتنمّر مشغولاً بالدفاع عن مسلّماته التي يتنمّر بها، فأطلق أنت نقطة المركز واجعله يدور حولك، فأنت الحدث وليس هو، ولا تسمح له بأن يكون هو المركز وأنت تدور حوله، وهذا أمرٌ ممكن في بعض الأحيان لا في جميع الأحيان.
أكتفي بهذا القدر، وأؤكّد على أنّ حديثي عن التنمّر الذي هو نوع من العدوان، وليس عن مطلق الاختلاف في وجهات النظر، وفي الختام، اعلم أنّ الكثير من المتنمّرين لا يعبّرون سوى عن نمور من ورق.