• الرئيسية
  • السيرة الذاتية
  • الكتب والمؤلفات
  • المحاضرات والدروس
  • المقالات
  • الحوارات واللقاءات
  • المرئيات
  • الأسئلة والأجوبة
  • لغات اُخرى
  • تطبيق مؤلفات حب الله
  • آراء
الموقع الرسمي لحيدر حب الله
كلمات ومواقف
# العنوان تاريخ النشر التعليقات الزائرين
173 استحلاب النصوص والتاريخ 2021-02-11 0 1627

استحلاب النصوص والتاريخ

الأربعاء 10 ـ 2 ـ 2021م

أعني بمشروع الاستحلاب ذلك المسار الذي يشتغل على استحلاب النصوص والوقائع بهدف أخذ أجوبة منها مهما كان الثمن. كلّنا يعرف الفكرة التي تقول بأنّ علينا استنطاق القرآن ـ على سبيل المثال ـ وتوجيه أسئلتنا له، لكنّ الخطأ في هذه الفكرة ـ أحياناً ـ هو وجود افتراض مسبق أنّ النص لابدّ أن يكون قد تكلّم عن هذه الفكرة، ومن ثم فعملي هو البحث عمّا تكلّم به، في الوقت الذي ربما لا يكون النص قد تكلّم عن هذه الفكرة أساساً، الأمر الذي يعرّض عمليّة التفسير والتأويل لمخاطر جمّة.

ليس كلّ ما يجري من حولنا أو نسمع من وقائع أو أفكار في مجال الفكر والعمل والسلوك وغير ذلك، يجب أن يكون هناك جواب عنه في النصوص والوقائع التاريخيّة للأديان (طبعاً هذا وفقاً لقناعتي التي قد يختلف معي فيها آخرون، وقد تعرّضت لها بالتفصيل في كتابي المتواضع: شمول الشريعة). إنّ مصادرة ضرورة وجود جواب عنه وموقف تجاهه هي تماماً كمصادرة عدم وجود موقف أو جواب عنه في النصّ، كلاهما مصادرة غير مؤكّدة بعد. والطريق الصحيح هو أن نذهب نحو النصوص حاملين معنا ـ فقط ـ احتمال أنّ لديها كلاماً في هذا الأمر، وهذا ما سوف يسهّل علينا عمليّة التفسير؛ لأنّه ـ من جهة أولى ـ لن يفرض علينا منذ البداية استبعاد النصوص، كما لن يدفعنا ـ من جهة ثانية ـ لاستخراج أمور من النصوص بالقهر والقوّة، فيما أسميتُه الاستحلاب.

كثير من التفاسير العلميّة اليوم ومشاريع الحديث عن موقف الدين من آلاف القضايا الفكريّة والعلميّة والعمليّة وغير ذلك، لا يمارس ـ في تقديري ـ سوى استحلاباً للنصوص، لا يمكن فهمه إلا في ضوء نظريّة موت المؤلّف، وليس في ضوء نظريّة اكتشاف مراد المؤلف من كلامه أو فعله.

إنّ علينا التروّي كثيراً قبل الحديث عن استنتاج العلوم الإنسانيّة والطبيعيّة والطبّ وغير ذلك من النصوص والأفعال التاريخيّة، إنّها عمليّة تبدو بظاهرها رومانسية متعاطفة مع النصّ؛ لأنّها تريده أن يحافظ دوماً على سلطته، لكنّها قد تكون في واقعها أكبر عمليّة تشطير وتمزيق للنصوص عبر التاريخ.

قرأت ذات يوم كلاماً لشخصيّة معروفة تدعو لاستنطاق علم أصول الفقه بهدف إنتاج مشروع العلوم الإنسانيّة الإسلاميّة. إنّ هذه الفكرة مبالغٌ بها برأيي المتواضع، وأكبر الأخطاء التي نقع فيها أن نطرح فكرة أو شعاراً لنؤسّس في ضوئه مشروعاً، قبل أن تكون الفكرة قد أُثبتت أصلاً، الأمر الذي يجرّ لعمليّة الاستحلاب المهولة هذه.

إنّ مشروع الاستحلاب لا يقف عند النصوص الدينية الأصليّة اللفظيّة، بل يمتدّ لوقائع التاريخ، فيتمّ استخراج التفاسير من واقعة تاريخيّة، ليس لأنّ الواقعة تحمل هذا التفسير في حقيقة الأمر، بل لأننا نحتاج لغطاء ديني لهذا التفسير الأمر الذي يمكن تأمينه من خلال استحلاب الواقعة إلى ما لا يتناهى، وفي كلّ زمان يولد تحدٍّ فكريّ جديد فتأخذ الواقعة نفسها تفسيراً آخر! إنّ تصرّفاً طبيعيّاً عادياً متوقّعاً وبسيطاً وقع من نبيّ أو وصي أو شخصيّة بارزة ذات قدسيّة قبل مئات السنين، تقدر عمليّةُ الاستحلاب هذه على خلع معانٍ كبيرة لا متناهية عليه قد لا تكون في بال الفاعل أصلاً، سلسلة طويلة من الاحتمالات التفسيريّة تتحوّل فجأة إلى تفاسير مؤكّدة! وهذا ما يؤدي الى تضخّم دراسات التاريخ والسيرة التحليليّين بطريقة متورّمة وليست صحيّة. بل حتى نصوص الباحثين والعلماء عبر التاريخ يتمّ استحلابها أيضاً، فإشارة سريعة من عالمٍ ما قبل قرون لها صلة بنظريّة حساب الاحتمالات يدفع لاستحلاب النصّ بهدف تأكيد أنّ منظومة حساب الاحتمالات تمّ اكتشافها من قَبل! في حين النصّ لا يشير سوى لأمر طبيعي بسيط ذي صلة بالفكرة.

لست هنا بصدد مقالة بحثيّة بقدر ما أجد نفسي بصدد التنبيه على ضرورة الرأفة بالنصوص والوقائع، ولزوم التفاعل العفوي والمنطقي معها، وتقديم تفاسير تملك تبريرها من داخلها، وإلا فلن تكون سوى تفاسير محتملة لا غير، ولست بصدد نفي احتمالها هنا، بقدر ما أنّني بصدد نفي تبنّيها بمجرّد قابليّتها الاحتماليّة المحضة.

حيدر حبّ الله

إرسال

you should login to send comment link

جديد الأسئلة والأجوبة
  • تأليف الكتب وإلقاء المحاضرات بين الكمّ والنوعيّة والجودة
  • مع حوادث قتل المحارم اليوم كيف نفسّر النصوص المفتخرة بقتل المسلمين الأوائل لأقربائهم؟!
  • استفهامات في مسألة عدم كون تقليد الأعلم مسألة تقليديّة
  • كيف يمكن أداء المتابعة في الصلوات الجهرية حفاظاً على حرمة الجماعات؟
  • هل يمكن للفتاة العقد على خطيبها دون إذن أهلها خوفاً من الحرام؟
  • كيف يتعامل من ينكر حجيّة الظنّ في الدين مع ظهورات الكتاب والسنّة؟!
  • هل دعاء رفع المصاحف على الرؤوس في ليلة القدر صحيحٌ وثابت أو لا؟
الأرشيف
أرسل السؤال
الاشتراك في الموقع

كافة الحقوق محفوظة لصاحب الموقع ولا يجوز الاستفادة من المحتويات إلا مع ذكر المصدر
جميع عدد الزيارات : 35863594       عدد زيارات اليوم : 6958